فجأة وجدت أمنية ذات ال12 شهرا نفسها قد بارحت حضن أمها الدافئ لتقع بين يدي شريرة رأسمالها بكاء ذلك الملاك الصغير لتجني من ورائها ماتسعي إلي جمعه من مال. لم تجد أمنية وسيلة للتعبير عن غضبها من الوضع الجديد بعد أن فاقت من حالة الذهول التي انتابتها فور وقوعها فريسة في يد الصياد سوي البكاء والنحيب المتواصل ظنا منها أنه القادر علي أن يشفع لها ويجعل قلب الشريرة يحن ويرق لها ويعيدهاإلي أحضان أمها.. إلا أنه هيهات.. هيهات فكلما فعلت ذلك تقابل بالضرب والتعذيب بالكي بالنار وكأنها وقعت بين يدي الشيطان وبدلا من ان يخلصها كل من يقترب منها إذا به بلقي لذلك الأبليس قطعا معدنية سرعان مايلتقطها ويدسها في شنطة جلدية قذرة يحملها. وكلما حاولت أمنية استعطاف ذلك الكائن الغريب منعدم المشاعر متحجر القلب بنظرات الاستعطاف المختلفة حينا وبالبكاء حينا آخر لم تجد منه سوي بعض كسرات الخبز. كانت الطفلة الصغيرة مثل عصفور صغير بيد طفل أراد أن يلهو به ويلعب لتحقيق متعته الذاتية فربطه بخيط وقصقص ريشه وتركه يطير ممسكا بطرف الخيط. لم يجد اعتراض الطفلة علي مايجري معها في تخفيف آلامها بل زاد الأمر سوءا ولكن ولأن الأطفال ترعاهم الملائكة بأمر من الله محاباة لأحبابه فقد أرسل الله في ذلك اليوم المشهود قوات مباحث قسم شرطة حلوان للمشاركة في حملة تشنها مديرية أمن القاهرة لتنظيف الشوارع من الباعة الجائلين والمتسولين والسيارات المخالفة وكل مايعطل حركة المرور بشوارع حلوان. وكأن الله قد أرسلهم رحمة لهذه العصفورة فقد ألقوا القبض علي رانيا يوسف18 سنة ومقيمة بحلوان وبصحبتها طفلة لم تنطق بعد لايتعدي عمرها العام وبها آثار حروق بيديها وبسؤالها ومناقشتها اعترفت بأنها اختطفت الطفلة من أهلها بأحد شواطئ منطقة العصافرة بالإسكندرية وأتت بها إلي عرب غنيم بحلوان لتستغلها في ممارسة التسول. وأمام المقدم حازم سعيد رئيس مباحث حلوان أخذت تسرد الفتاة بداية القصة حيث كانت في أحد شواطئ منطقة العصافرة بمدينة الإسكندرية تبحث لها عن فريسة ضمن المخطط الذي كانت ترسمه ووجدت الأسرة الصغيرة المكونة من أب وأم وطفلة لم يتجاوز عمرها العام وبدأت في مغازلة الأسرة والتقرب إليها وكانت ملابسها الرثة وشكلها المجهد يدلان علي ضعف قوتها وقلة حيلتها في الحياة وانها في حاجة ماسة إلي المساعدة ورويدا.. رويدا بدأت تنال ثقة الأسرة إلي أن أعطوها الفتاة عدة مرات لكي تشتري لها بعض الحلوي من المحلات القريبة من الشاطئ ومن مكان إقامتهما وبينما الأسرة الطيبة تفكر للفتاة في خطة لتدبير مسكن ومأوي ولقمة عيش لها تفكر الفتاة اللعينة في فكرة شيطانية بمغافلة الأسرة وخطف الطفلة والهروب بها إلي القاهرة لتستخدمها في أعمال التسول. وبعد تخطيط شيطاني تمكنت الفتاة من مغافلة الأم ذات صباح وغابت عن الأنظار وفرت هاربة بالطفلة التي كانت تفرح وتطلق ضحكات أكثر إمتاعا لسامعيها من أصوات أمواج وطيور البحر في الصباح الباكر كلما أخذتها الفتاة علي كتفها وجرت بها ولعبت معها الكرة علي الشاطئ وكأنها كانت تأخذ تصريحا من الأسرة بأنها في أمان مع الفتاة. وبمرور الوقت بدأت الأم تقلق علي طفلتها وقالت لزوجها: البنت اتأخرت يعني مش عوايدها دي بتطير زي الحمامة في أي مشوار فرد الأب غير مبال تلاقيها جاية في السكة أو وقفوا شوية يتفرجوا علي حاجة وبعد نصف ساعة قامت الأم وقالت للأب: ليكونوا تاهوا هما الاتنين وهنا بدأ الشك يساور الأب مما أجبره علي القيام مسرعا لكي يستطلع الأمر. استقلت الفتاة المتوحشة قطار القاهرة من محطة الإسكندرية حيث كانت نصف ساعة كافية تماما لكي تصل إليها وخلال أقل من ثلاث ساعات وصلت إلي محطة القطار بالقاهرة ومنها إلي حلوان والطفلة الصغيرة تبكي وتنتحب وترد الفتاة علي كل من يسأل عن سبب بكائها: عندها سخونة وتعبانة. وقع خبر اختطاف الطفلة علي أبويها كالصاعقة خاصة أمها التي شعرت بأن البحر تحول فجأة إلي صحراء جرداء مقفرة وأن الناس علي الشاطئ كلهم ذئاب لايتوانون في قتل وخطف البشر حتي الأطفال. وصرخت الأم في الأب روح اعمل محضر أو سافر لحد مصر دور ع البنت الحرامية ورد الأب: أنا هعمل محضر بس إحنا منعرفش أي حاجة عن البنت. وبعد تحرير محضر في قسم شرطة المنتزه بدأ الأبوان في شرب كأس الأحزان وتوالت الأيام والليالي والأم يزداد حزنها وألمها وكادت تفقد الأمل في لقاء فلذة كبدها. ولكن رحمة الله كانت أكبر وأوسع من رحمة البشر حيث سقطت الفتاة الخبيثة في قبضة المباحث وبعد أن قصت القصص علي الضباط تم استدعاء والدي الطفلة وكانت المقابلة بمكتب رئيس مباحث حلوان حيث كانت القبلات والأحضان والأفراح والأحزان مشاعر مختلفة اختلطت ببعضها البعض انتجت لقاء حميميا شكر فيه الأبوان رجال المباحث علي جهودهم في ضبط الفتاة ورد مأمور قسم شرطة حلوان العميد عبد القوي نوار قائلا: الشكر للمولي عز وجل في أنه أوقع الفتاة في أيدينا واعترفت بالأمر ولابد لكم من أن تأخذوا حرصكم في التعامل مع الغرباء.