تعتبر القوة الناعمة من أهم روافد الثروة فى أى مجتمع يتطلع إلى البناء والتطور للأفضل دائمًا، ليس فقط لأنها تعكس آماله وطموحاته، وتناقش مشكلاته وهمومه، ولكنها تؤكد على قيمه، وتؤصل هويته، وتسهم فى بناء شخصية أجيال قادمة، بترسيخ مبادئ الانتماء والتضحية والعطاء. وللقوى الناعمة دور كبير وإسهامات لا يمكن أن يغفلها التاريخ، إن لم تكن جزءا منه، سواء فى وقت السلم أو الحرب، حينما أدرك الاقتصادى الأول طلعت حرب، مع بداية انطلاق مصر، أهميتها وكيفية مشاركتها، فأسس ستوديو مصر، وقدم مجموعة من الأفلام، تؤكد على مفردات تلك المرحلة المهمة من تاريخ مصر وكيف يتم تعبئة الحالة الشعبية، وإثراء الوجدان من خلال أفلام وأغنيات ترسخ كل ما يخدم الوطن بمشاركة كبار النجوم، وعلى رأسهم كوكب الشرق التى اتجهت للتمثيل لأول مرة إلى جانب أغانيها الوطنية الحماسية. وحينما جاءت حرب الاستنزاف بعد 1967 قدمت القوة الناعمة أبلغ رسالة للعالم كله حينما خصصت أم كلثوم وعبد الحليم حافظ إيرادات حفلاتهما فى قاعة ألبرت هول بلندن، لصالح المجهود الحربي، ولم يترك أى فنان بابا للمساهمة بدوره فى معركة لانتصار إلا وطرقه، بداية من الكلمة البسيطة واللحن الشعبى الذى يردده المواطن البسيط ويحفظه عن ظهر قلب ووعى وإيمان، مرورا بعمالقة الفن والتأكيد الدائم على التضحية من أجل النصر وبث الأمل للعبور. وبالفعل نجحت القوى الناعمة فى حالة التعبئة العامة، التى كان لها أبلغ الأثر حتى حققنا نصر أكتوبر المجيد، وعلى الرغم من العدد القليل من الأفلام آنذاك، إلا أنها وحتى الآن لها أثر كبير فى تشكيل وجدان الأجيال الحالية. ولكن مرت القوى الناعمة بحالة من السكون والركود على الرغم من المرحلة المهمة والفارقة التى تمر بها مصر من مرحلة بناء فى ظل تحديات داخلية وخارجية إلى جانب الملحمة الوطنية التى يسجلها الأبطال الذين يقدمون أرواحهم فداء لتراب هذا الوطن ولم يتحرك ساكنا؟ وما أهمية دور القوى الناعمة فى تلك المرحلة وتوجيهها وتوظيفها فى الاتجاه الأمثل مع وعى القائمين عليها بأهمية دورهم الوطني. إلى أن رأينا فيلم (الممر) الذى يقدم درسًا للجميع، وبنجاحه الجماهيرى أكد رسالة مهمة وهى أن الجيل الحالى لديه من الوعى وروح الانتماء، وقادر على مواصلة العطاء ونبذ الرخيص من الفن، باحثا عما يمثله ويؤكد هويته، والأهم يفخر بتضحيات من سبقوه وعلى أتم استعداد لمواصلة الطريق من أجل مصر، فكل التحية لقواتنا المسلحة ولكل من ساهم فى هذا العمل التاريخى الذى يعيد الروح لقواتنا الناعمة. جاء الممر ليخرجنا من نفق القوة الناعمة الراكدة إلى نور الأمل والحماس لتكون بداية جديدة وعودة للطريق الصحيح. الممر .... نقطة ومن أول السطر.