الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى والعمل بها ابتغاء مرضاة الله أمر محمود، غير أن هناك من يتخذون الدعوة الإسلامية حكرا لهم، ويستأثرون بها لأنفسهم دون الآخريين، ضاربين عرض الحائط بأن طريق الدعوة ليس مقصورا على فئة دون غيرها وأنه لابد أن نكمل بعضنا بعضا أن يكون العمل على نشر الإسلام الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى ونشر الإسلام لكل من يسره الله لذلك، فلا يجب أن تكون هناك خصوصية فى الدعوة ولكن لابد أن تكون الخصوصية فى العلم، وكل يدعو على قدر علمه ويكمل العلماء بعضهم البعض. فى البداية يرى الدكتور شحاتة عبد اللطيف أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الأزهر أن المسلمين كلهم يجب عليهم الدعوة إلى الله قال تعالى: «قل هذه سبيلى أدعو إلى الله أنا ومن اتبعنى» فكل المسلمين وأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاة لكن أيضا كل المسلمين عليهم أن يتعلموا الإسلام وكل المسلمين عليهم أن يعرفوا أصول الدعوة حتى تكون دعوتهم على منهج سليم وصحيح، فالدعوة لا يصح فيها العنف أو الاضطراب أو التهور وإنما كما قال الله تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» فنحن دعاة لكن على أن نكون علماء بديننا وعلماء بالأساليب الصحيحة لدعوتنا نحن دعاة لكن بخبرة الحكماء وهدوء الحلماء وحينئذ نؤدى دعوتنا على الوجه السليم. ويضيف «شحاتة»: لا أظن عاقلا يقول إنه يحتكر الدعوة، وأن من يدعى ذلك يكون من بعض المعتزين بدعوتهم عن اللازم، فلا يصح لإنسان أن يتعلم الإسلام ولم يتعلم أساليب الدعوة وقتها يكون ليس من حقه التكلم فى الدعوة. وتشير الدكتورة آمنة نصير أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر إلى أن قضية الدعوة كل إنسان يمتلكها سواء بالعمل الصالح أو بالكلمة الطيبة فكل ما يصدر عن الإنسان المسلم فهو دعوة، والإسلام يؤكد ذلك ويعتبر أن الكلمة الطيبة صدقة، وأن تلقى أخاك هاشا باشا فهذا له ثواب، وفى الوقت ذاته دعوة، غير أن المؤسف أننا نجد من يتصدرون للدعوة فى بعض وسائل الإعلام تمتلئ وجوههم بالقسوة، ويتسم أسلوبهم بالتعالي، بما اعتلى وصفه من خصائص وصفات تصور نفسه بها أنه صار عالما ومختلفا عن بقية الخلق، علاوة على أنه ربما يكون ممن لا يحملون أدوات العلم سواء فى التأهيل أو فى حسن القول أو فى الضوابط التى يجب أن يتحلى بها صاحب الدعوة، وهذا النوع كثير وحدث ولا حرج، فكل من ارتدى الجلباب وأطال اللحية وظهرت أمارات الصلاة على جبهته كأنه حاز مقومات الدعوة، وبما لا يحمل تأهيلا علميا أو تخصصيا وإنما أخذ من الشكل كأنها هى أدوات الدعوة. وتضيف قائلة هذه الظاهرة للأسف انتشرت فى ربوع مصر مما جلبوه من دول الجوار الغث والثمين وجاءوا به إلى أرض مصر ووجدوا الفرصة الذهبية، حيث المساحة الكبيرة من الأمية الدينية وأمية القراءة والكتابة، وهو ما ساعد على الوصول إلى هذه الإعداد الكبيرة من البشر بالإضافة إلى الفضائيات التى جاء فيها أيضا الغث والثمين، والتطرف، واستغلال المواقف إلى غير ذلك، غير أن المؤسف هنا هو تراجع الآلاف من أئمة المساجد المنتمين لمؤسسة الأزهر عن دورهم كأئمة فى المساجد ثم تركوا مساحة كبيرة غطاها هؤلاء القوم من آرائهم المتطرفة من خلال الفضائيات التى أبهرت البسطاء فى المعرفة الدينية. وتضيف د. آمنة نصير: أن أكبر مشكلة الآن فى مصر تلك العقول التى تم حشوها بهذا اللون من الثقافة والفكر والعقيدة، والحلال والحرام بما يحتاج إلى تقويمه وتحليله فى إطار الوسطية الإسلامية، يحتاج ذلك إلى نصف قرن، ولذلك أرى أن هذه الفترة حدث فيها لمصر وشعبها نوع من الاستثمار الثقافى الذى يتعارض مع نسيجنا الاجتماعي، والسيكولوجية المصرية التى تربت على الإيمان البسيط البعيد عن التعقيدات، وفى تطبيق رائع كان يجب أن يدركوا هذا البعد ولا يرهقوا الشعب المصري. ويوضح الشيخ فوزى الزفزاف، عضو مجمع البحوث الإسلامية أن الإسلام أكد ضرورة إقرار مبدأ التخصص فى أمور الدين ولم يجعلها على المشاع لكل إنسان قال تعالى فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين فهناك من عنده الاستعداد الفطرى وهناك من يريد أن يستأكل بالدين فقد ورد أن النبى عليه الصلاة والسلام أخبر بأمور ستقع فى آخر الزمان وستفرق أمتى إلى ثلاث فرق الأولى يعبدون الله رياء، والفرقة الثانية يعبدون الله ابتغاء مرضاته إخلاصا لله بدون مغانم. أما الفرقة الثالثة هم الذين يعبدون الله ليستأكلوا الناس أى لأكل الدنيا وليست العبادة عندهم إلا موصل لجمع المال وهذا مما أخبر به رسول الله قبل أن يقع وهى من علامات آخر الزمان كما تدل الآية الكريمة على أن الأمور الدينية تستلزم اختيار من لديهم الفهم والتقوى والصلاح والاستعداد الفطرى وحب الدراسة والتتلمذ على أهل العلم. ومن ثم فليس كل واحد أو مجموعة من الناس درست أمور الدين عن طريق الكتب أو غير ذلك ولم تأخذنا للطريق الصحيح فليس لها أن تحتكر التحدث باسم الدين وعدم احترام الرأى المخالف ويقول لو أرجعنا التاريخ سنجد أن أهل العلم الموثوق بعلمهم كان عندهم مساحة من الاختلاف فى الرأى ونذكر فى هذا المقام الإمام مالك صاحب الموطأ الذى أعجب به الناس حتى خلفاء الدولة العباسية إذ قرر الخليفة هارون الرشيد أن يفرض دراسة موطأ مالك على الأمة وأن يكون هو المرجع للدولة ولكن الأمام مالك رفض ذلك وأوضح لهارون الرشيد أن هناك علماء كثيرين تعلموا العلم ويجب أن نحترمهم. والإمام الشافعى لم يجلس فى مسجد رسول الله للدرس: إلا بعد أن اقر الإمام مالك وكذلك الإمام أحمد بن حنبل لم يجلس فى حلقة العلم إلا بعد إقرار الشافعى له، وورد أن النبى صلى الله عليه وسلم قال معترفا بمبدأ التخصص حينما قال أعلمكم بالحلال والحرام معاذ بن جبل وأعلمكم بالفرائض زيد بن ثابت وأعلمكم بالقرآن أبى بن كعب وأعلمكم بالقضاء على بن أبى طالب. ويرى الدكتور محمد أبو ليلة أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر إن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى واجب شرعى قال تعالى للنبى صلى الله عليه وسلم «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتى هى أحسن» ويقول سبحانه وتعالي: «ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين».، فالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى من واجب الأنبياء ثم أصحاب الأنبياء والعلماء الذين يرثون العلم النبوى لأن المجتمع لا يمكن أن يبقى على حاله من الصلاح ولا أن يتقدم روحيا وماديا دون الدعوة إلى الله ومعنى الدعوة إلى الله نشر الأخلاق الإسلامية والقيم الفاضلة بين الناس وحثهم على عبادة الله وحده وعلى عمل الخير والسعى فى مصالح العباد. ويستطرد الدكتور أبو ليلة بأننا فى وقت اختلط فيه الحابل بالنابل وأصبحت الدعوة مهنة من لا مهنة له ومكسبا من لا مكسب له، والفتوى شىء مباح لكل عاطل عن العمل والعلم معا ولابد للمسلمين أن يفرقوا بين العلماء الحقيقيين وبين غيرهم، يقول الشيخ رضا حشاد بوزارة الأوقاف قال الله تعالي: «ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إننى من المسلمين» وهذه الآية عامة لكل من توافرت فيه مؤهلات الدعوة وأنها ليست حكرا على أحد.