شهد شهر رمضان المبارك العديد من الغزوات والفتوحات والمعارك الكبرى التى علت فيها راية الإسلام، ومن أولى تلك المعارك غزوة بدر التى جرتفى السابع عشر من رمضان فى العام الثانى من الهجرة «الموافق 13 مارس 624م» بين المسلمين وقريش «وتُسمى أيضًا غزوة بدر الكبرى وبدر القتال ويوم الفرقان». وأكد علماء الدين أن تلك الغزوة تعد بداية لتأصيل الجهاد ومشروعيته بعد بناء الدولة، والدفاع عن الأوطان وحماية الأعراض،لافتين إلى أن ما تقوم به قواتنا المسلحة والشرطة يعداستكمالًا لمنهج الرسول وأصحابه فى الدفاع عن الوطن وحماية الدماء وردع المفسدين فى الأرض، وهؤلاء هم الشهداء الحق وليس ما يدعيه المفسدون فى الأرض من الجماعات المتطرفة. وأكد الدكتور إبراهيم الهدهد، رئيس جامعة الأزهر السابق، عضو مجمع البحوث الإسلامية والمستشار العلمى للمنظمة العالمية لخريجى الأزهر، أن شهر رمضان ليس للنوم ولا احتساء الطعام والشراب، وإنما هو شهر جهاد ومجاهدة النفس، وهو شهر الغزوات الكبرى مثل بدر وفتح مكة والقادسية ونصر أكتوبر، مشيرًا إلى أنه يجب على المسلمين أن يكونوا على نهج أسلافهم فى جعل رمضان شهر العمل الأكبر. وقال إنه من الدروس المستفادة من غزوة بدر تدريب الأمة على عدم التنازع، وأن القوة الحقيقية لا تكمن فى العدد وإنما فى بناء قلوب الرجال والتدريب على الإحسان لغير المسلمين، كما حدث مع أسرى بدر حيث عاملهمالنبى صلى الله عليه وسلم بالرحمة والعدل. وأوضح أن الله أراد النصرة والعزة للإسلام واستئصال شوكة الكفر فى تلك المعركة التى قامت بين الحق والباطل، المسلمون ضربوا أروع الأمثلة فى الجهاد فى سبيل الله والدفاع عن دينهم ورسولهم، حتى انتهت المعركة بفوز ساحق للمسلمين بسبعين قتيلًا وسبعين أسيرًا، ومصرع قادة الكفر من قريش. من جانبه، ذكر الدكتور خالد عمران، أمين الفتوى بدار الإفتاء، أول درس من غزوة بدر، وهو الدفاع عن الوطن وهو أحد أركان الدفاع عن الدين، وهو واجب وشرف كبير، وكانت هذه الغزوة دفاعًا عن الوطن الذى أسسه النبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، لأنها قامت عندما كان هناك اعتداء على هذا الوطن، ولذلك هب النبى صلى الله عليه وسلم للدفاع عن المدينة التى أصبح هناك اعتداء محتمل عليها، كما أن له حقوق ينبغى أن تسترد من أهل مكة، ولذلك كان هذا واجبًا شريفًا تؤصل له غزوة بدر وتثبت شرف كل من يقوم بالدفاع عن الأوطان وأن هذا واجب نبيل وإنسانى. ووجه الدكتورخالد عمران رسالة إلى الذين أقامهم الله سبحانه وتعالى فى الدفاع عن الأوطان خصوصًا قواتنا المسلحة والشرطة إلى أن عملهم يمثل استمرارًا للقيام بالواجب الذى يرضى الله وتقر به عين رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلًا: «نستطيع بسهولة أن نلحظ هذه الغزوة وهى أول غزوة كبرى فى الإسلام ولم تكن اعتداء على أحد ولا طمعًا فى ثروات أحد، وإنما هى فى الحقيقة تأمين للوطن الذى استوطنه الرسول «ص» وهو المدينة واسترداد لحقوق نهبت منهم قبل ذلك، ولايستطيع أحد أن يسمى هذا اعتداء فإنه حق مشروع حتى بمعايير القانون الدولى المعاصر والسياق الحافظ لهذا كله هو أن الاعتداء فيه إراقة دماء وتضييع للثروات من دون وجه حق. وأضاف أمين عام الفتوى بدار الإفتاء أن هناك فرقًا بين من يقاتل لهذا الواجب الشريف وبين من يكون نتيجة قتاله إهدار الأموال والأعراض والأوطان، ولاشك أن الثانى هو المعتدى فى الحقيقة وهو ما تقوم به الجماعات المتطرفة على مدار العصور، أما بالنسبة لفقه الجهاد الذى نستفيده من هذه الغزوة فهى تعطينا ميزانًا لضبط الجهاد الحقيقى عن الجهاد المزيف، الذى تعلنه جماعات الضلال قائلًا: الدفاع عن الوطن جهاد حقيقى، أما إهدار ثروات الوطن أو الدماء فهو جهاد مزيف، ونلاحظ أن النبى صلى الله عليه وسلم طول إقامته فى مكة لم يشرع له الجهاد، لأن الجهاد لا يكون إلا تحت راية الدولة وبعد أن بنيت الدولة فى المدينة، وأصبح هناك وطن تعرضللتهديد شرع له الجهاد للقيام بهذا الواجب الشريف، وبهذا أيضًا نفرق بين الشهيد الحق من أبناء القوات المسلحة أو الشرطة الذين يدافعون عن الأوطان وتحت راية الدولة ويرزقهم الله الشهادة، لأن عاقبة استشهادهم الحفاظ على الدماء والأعراض قال تعالي «وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ»، إنما الأدعياء الآخرون ينتحرون وغايتهم هدم الأوطان والاعتداء على الأعراض وينطبق عليهم قول النبى «ص» عن أبى هريرة رضى الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة فمات، مات مِيتَةً جاهلية، ومن قاتل تحت راية عِمِّيَّة يغضب لِعَصَبَة، أو يدعو إلى عَصَبَة، أو ينصر عَصَبَة، فقتل، فَقِتْلَة جاهلية، ومن خرج على أمتى، يضرب برها وفاجرها، ولا يَتَحَاشَى من مؤمنها، ولا يفى لذى عهد عهده، فليس منى ولست منه». من جانبه ذكر فضيلةالشيخ ياسر العز إمام وخطيب بوزارة الأوقافأن الناظر لأحداث غزوة بدر الكبرى يراها قد تمخضت عن دروس وعِبَر فى سردِ بعضها منفعة للصف الإسلامي، ومَعِين من التجاربالناجحةللمستضعفين ضد عتاة المستكبرين، وطواغيت المتجبرين وأول هذه الدروس استعداد المسلملبذل نفسه فداء لدينه وتضحية لما يؤ من به وهذالا يتأتىمن المسلم إلا إذا كان يقينه الثابت بالله لا يتزحزح قدرأنملة،فهو قد باع روحه لمن خلقها ويعلم مستقرها ومستودعها وقبض ثمنه عاجلًا إما بالنصر على من بدأه بالعداوة أو عاجلًا أيضًا ببشرىالشهادة. وقال من هذه الدروس المستفادة من هذه الغزوة التى سماها الله بالفرقان هو ذلك الابتكار فى الخُطط العسكرية الذى ابتكره الرسول صلى الله عليه وسلم فى قتاله مع المشركين يومها وهو أسلوب جديد فى منازلة الأعداء يتمثل فى نظام الصفوف وهذا الأسلوب أشار إليه القرآن الكريم فى قوله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِى سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ» [الصف:4]. والاستفادة من الظروف البيئية المحيطة بالغزوة أثناء قتال العدو: لم يغفله النبى صلى الله عليه وسلم بل كان يستفيد من كل الظروف المحيطة فى ميدان المعركة لخدمة صفّه. ومن أمثلة ذلك ما فعله صلى الله عليه وسلم قبل بدء القتال يوم بدر، فلقد أصبح صلى الله عليه وسلم ببدر قبل أن تنزل قريش، فطلعت الشمس وهو يصفهم فاستقبل المغرب وجعل الشمس خلفه فاستقبلوا الشمسومنها: حرصه على رفع الروح المعنوية للجنود، وأشار إلى أن هناك درسًا آخر فى هذه الغزوة هو أن الدعاء بعد أخذ الأسباب هو أحد الأسلحة الفتاكة فى مواجهة الأعداء فإنه لما نظّم صلى الله عليه وسلم صفوف جيشه، رجع إلى عريشه الذى بُنى له حيث التجأ لمن بيده مقاليد النصر وخزائن الفتح وهرع لربه الغالب الكريم يدعوه قائلًا: «اللهمَّ أَنجِزْ لى ما وعدتني، اللهمَّ إن تَهلِك هذه العصابةُ من أهلِ الإسلامِ فلن تُعبد فى الأرض» فالدعاء، هو سمة العبودية، واستشعار الذِّلةِ البشرية، وفيه معنى الثناء على الله تعالى بما هو أهله فيه إضافة الجود إليه بما هو حق له فكم أقام الدعاء ممالك وأزال ممالك!وكم بالدعاء كشف بلاء واستجلبت نعم! كم بالدعاء هزم عتو متكبر وانتصر متواضع مستضعف! فلا ينبغى للطائفة المؤمنة إهمال الدعاء؛ فشأنه عظيم، وأمره جسيم وهو سؤال من الكريم الذى خزائنه ملأى ولا يعجزه شىء فى الأرض ولا فى السماء.