السخرية هي الاستهزاء بالآخرين واحتقارهم بالقول أو بالفعل, وهي سلوك نهي عنه الخالق- سبحانه وتعالي- في قوله:( يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسي أن يكونوا خيرا منهم) وقد تكون بذكر عيوب الآخرين أو بأن نعيرهم بالفقر أو بالنسب أو بالمرض أو بأي أمر آخر بقصد إظهار نقصهم والنيل من كرامتهم. يقول الدكتور محمود عبد الخالق الفخراني بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين بالقاهرة وهي رذيلة تتنافي مع أخلاق المؤمنين, وتغضب رب العالمين, وتثير كوامن الفتن, وبواعث الشر, وتوقع العداوة والبغضاء بين أفراد المجتمع, فتضعف قوته وتتفكك وحدته, وهذا السلوك لا يصدر إلا ممن تتصف نفسه بالدناءة وأخلاقه بالسوء; لأنه ارتضي أخلاق الجاهلية سلوكا, ولذلك وجه النبي- صلي الله عليه وسلم- أصحابه إلي مراعاة شعور الآخرين ولو كانوا خدما, وحذرهم من أن يعير أحدهم غيره بنسبه أو فقره, وسرعان ما امتثلوا إلي توجيه النبي- صلي الله عليه وسلم- فعن المعرور بن سويد, قال: لقيت أبا ذر بالربذة, وعليه حلة, وعلي غلامه حلة, فسألته عن ذلك, فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه, فقال لي النبي صلي الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية, إخوانكم خولكم, جعلهم الله تحت أيديكم, فمن كان أخوه تحت يده, فليطعمه مما يأكل, وليلبسه مما يلبس, ولا تكلفوهم ما يغلبهم, فإن كلفتموهم فأعينوهم. ويضيف الدكتور محمود عبد الخالق الفخراني أن احتقار الناس كبر, والكبر ليس من صفات أهل الجنة كما أخبرنا النبي- صلي الله عليه وسلم- بقوله: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة, قال: إن الله جميل يحب الجمال, الكبر بطر الحق, وغمط الناس ومعني غمط الناس احتقارهم. والمحتقر غيره يشبه فعله صنيع الشيطان حينما أمره المولي( سبحانه) بالسجود لآدم فأبي واستكبر كما حكي لنا القرآن قوله:( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين), ولذلك يجب علي المسلم أن ينبذ هذه الخصلة التي زينها الشيطان لأوليائه من الكفار, فقد تعمدوا السخرية بالمؤمنين لإيذائهم, ولكن الله توعدهم بسوء العاقبة يوم القيامة إذ يقول سبحانه:( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون() وإذا مروا بهم يتغامزون() وإذا انقلبوا إلي أهلهم انقلبوا فكهين() وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون() وما أرسلوا عليهم حافظين() فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون). وقد حذرنا الإسلام من السخرية بالآخرين عسي أن يكون المستهزأ به خيرا عند الله من المستهزئ, لأن علو المنزلة إنما يكون بالتقوي والعمل الصالح لا بكثرة المال والنسب وغير ذلك, فقد يكون المسلم متواضعا في مظهره ولكنه صاحب منزلة عالية عند ربه يجيب دعاءه ويقضي حاجته فعن أبي هريرة, أن رسول الله صلي الله عليه وسلم, قال:( رب أشعث, مدفوع بالأبواب لو أقسم علي الله لأبره)ومن تعمد إيذاء تقي بالقول أو العمل فقد عرض نفسه لعقاب الله إذ يقول النبي صلي الله عليه وسلم: إن الله قال: من عادي لي وليا فقد آذنته بالحرب. والإنسان قد يقول كلمة في حق غيره, ويظن ذلك أمرا هينا وهو عند الله عظيم فعن عائشة, قالت: قلت للنبي صلي الله عليه وسلم: حسبك من صفية كذا وكذا, تعني قصيرة, فقال: لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته, ولذلك يجب علي المسلم أن يستشعر أن السخرية من الآخرين سلوك نهانا الله عنه وذنب عظيم قد يوجب مقت الخالق سبحانه فعن أبي هريرة, عن النبي صلي الله عليه وسلم قال: إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله, لا يلقي لها بالا, يهوي بها في جهنم. فالتقي الورع هو الذي يخاف من ارتكاب ما نهي الله عنه, ويراعي شعور الآخرين, ويقتدي بأخلاق النبي صلي الله عليه وسلم, ويدرك خطورة الاستهزاء بالناس والسخرية منهم, والتعالي عليهم, فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده. يقول الدكتور عبد الله أبو الفتح بكلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنين جامعة الأزهر بالقاهرة إن من الأخلاق المذمومة التي لا ينبغي أن يتصف بها المسلم السخرية أوالاستهزاء بالغير, أو همزه أو لمزه, أما السخرية فتعني: الاستهانة والتحقير, والتنبيه علي العيوب والنقائص, علي وجه يضحك منه الحاضرون علي الشخص المسخور منه, وقد تكون السخرية بالمحاكاة في القول والفعل, وقد تكون بالإشارة والإيماء, وقد تكون بالضحك; كأن يضحك علي كلامه إذا تخبط فيه, أو علي صنعته إذا كانت معيبة في نظره, أو علي قبح في صورته الخلقية ونحو ذلك. والفرق بين الاستهزاء والسخرية: أن الاستهزاء يكون من الإنسان إذا تهكم علي غيره بدون أن يبدر من ذلك المسخور منه فعل يستحق التعليق, أما إذا كان ذلك التهكم تعليقا علي فعل صدر من الغير فإنه يسمي سخرية. ولهذا فإن سخرية الشخص من غيره أو لمزه له بما فيه من صفات خلقية دميمة, أو تعييره بما فيه من خلال خلقية ذميمة يعد ممنوعا شرعا, يقول الله تعالي( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم..), في هذه الآية الكريمة ينهي- تعالي عباده المؤمنين عن السخرية بالناس, والسخرية تعني احتقارهم والاستهزاء بهم; لأن ذلك يدل علي الكبر الذي يملأ قلب الساخر بغيره المحتقر له, ولهذا قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم- الكبر بطر الحق وغمط الناس أي احتقارهم واستصغارهم, وسيكون الاحتقار والسخرية حراما لأنه قد يكون الشخص المسخور منه أعظم قدرا عند الله وأحب إليه من الشخص الساخر منه المحتقر له. ولهذا كان الأنبياء بل والصحابة الصالحون ينهون عن الاستهزاء والسخرية حتي من معصية العاصي فعن أبي هريرة- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلي الله عليه وسلم إياكم والظن, فإن الظن أكذب الحديث, ولا تحسسوا, ولا تجسسوا, ولا تنافسوا, ولا تحاسدوا, ولا تباغضوا, ولا تدابروا, وكونوا عباد الله إخوانا. وعن أبي برزة الأسلمي- رضي الله عنه- قال رسول الله- صلي الله عليه وسلم يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه, لا تغتابوا المسلمين, ولا تتبعوا عوراتهم, فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته, ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته وقوله- صلي الله عليه وسلم(... ولا تتبعوا عوراتهم...) أي لا تجسسوا عيوبهم ومساوئهم وزلاتهم وهفواتهم; لأن من يفعل ذلك ينشغل عن إصلاح نفسه وتزكيتها; لأن من حاول تتبع عيوبهم ومساوئهم فإن الله- عز وجل- سيكشف عيوبه وزلاته, ويجازيه بسوء صنيعه في الدنيا والآخرة.