مما يدعم التواصل والتعاون بين المسلمين السعي في قضاء حوائجهم, فإذا شعر المسلم بحاجة أخيه إليه وسارع في قضائها كان ذلك نعمة من الله عليه, لأنه سبحانه وتعالي- يفرج بذلك كربه, وييسر عليه أمره في الدنيا والآخرة, ويكون عونا له في قضاء حوائجه كما أخبرنا النبي- صلي الله عليه وسلم- بذلك في قوله:من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا, نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة, ومن يسر علي معسر, يسر الله عليه في الدنيا والآخرة, ومن ستر مسلما, ستره الله في الدنيا والآخرة, والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. يقول الدكتور محمود الفخراني بكلية الدراسات الإسلامية للبنين بالقاهرة, مما يدل علي أن السعي في قضاء حوائج الناس نعمة من الله علي العباد حديث الثلاثة نفر الذين آووا المبيت إلي غار, فدخلوه فانحدرت صخرة من الجبل, فسدت عليهم الغار فلم ينجهم مما هم فيه إلا دعاؤهم الخالق بأعمالهم الصالحة التي قدموا فيها العون لغيرهم, فالأول أخذ العهد علي نفسه أن يبر والديه ويعينهما في حال كبرهما,والثاني أعان بنت عمه وقت الحاجة وحفظه الله تعالي من وسوسة الشيطان له, والثالث ثمر لأجير ماله حتي زاد وكثر ولم يطلب منه مقابل ذلك, فكل منهم أعان غيره ابتغاء وجه الله فأنعم الله عليهم بالنجاة من الهلاك. وقد أجزل الإسلام العطاء الوفير والأجر العظيم لمن سعي في قضاء حوائج الأرامل والأيتام فعن أبي هريرة, قال: قال النبي- صلي الله عليه وسلم-: الساعي علي الأرملة والمسكين, كالمجاهد في سبيل الله, أو القائم الليل الصائم النهار, بل بشر النبي صلي الله عليه وسلم الذي يمد يد العون لليتيم بمرافقته في الجنة إذ يقول:( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا, وأشار بالسبابة والوسطي, وفرج بينهما شيئا). و يؤكد الدكتور محمود الفخراني أن الحرص علي قضاء حوائج الآخرين من التوجيهات الأساسية التي تبناها القرآن ورغب فيها من خلال ما ساقه من قصص يظهر قيمته ويبين منزلته عند الله- عز وجل- ومن ذلك ما ورد في شأن قصة موسي- عليه السلام- بعد أن خرج موسي من مصر خائفا يترقب بعد حادثة القتل والنصح له بمغادرة بلاد مصر, صرف وجههإلي بلاد مدين مستسلما لأمر ربه, متوسلا إليه بقوله:( عسي ربي أن يهديني سواء السبيل), ولما ورد ماء مدين وهو بئر يسقي منها الناس مواشيهم ووجد امرأتين تطردان وتمنعان أغنامهما أو مواشيهما عن الماء, حتي ينتهي الناس من السقي, ثم بعد ذلك تسقيان دوابهمافسألهما موسي- صاحب الهمة العالية, والمروءة السامية, والنفس الوثابة نحو تقديم العون للضعفاء- قائلا: ما خطبكما؟فقالتا له علي سبيل الاعتذار وبيان سبب منعهما لمواشيهما عن الشرب:( لا نسقي حتي يصدر الرعاء, وأبونا شيخ كبير). فسارع موسي إلي معاونتهما شأن أصحاب النفوس الكبيرة, والفطرة السليمة, وقد عبر القرآن عن هذه المسارعة بقوله:( فسقي لهما ثم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير). والسعي في قضاء حوائج الآخرين والتعاون بين أفراد المجتمع المسلم إنما يكون علي البر وأوجه الخير التي ترضي الرحمن, لا علي الإثم والعدوان وما يوسوس به الشيطان وهذا ما صرح به القرآن, قال المولي- عز وجل-: وتعاونوا علي البر والتقوي ولا تعاونوا علي الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب. بل إن المسلم إذا بخل علي أخيه بما يعينه وهو قادر علي ذلك كان ذلك سببا في زوال النعمة عنه, كما أخبرنا الله- سبحانه وتعالي- عن أصحاب الجنة الذين منعوا الفقير حقه, وأصروا علي عدم تقديم العون له, فكان ذلك سببا في هلاك جنتهم, قال تعالي... إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصر منها مصبحين* ولا يستثنون* فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون* فأصبحت كالصريم* فتنادوا مصبحين* أن اغدوا علي حرثكم إن كنتم صارمين* فانطلقوا وهم يتخافتون* أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين* وغدوا علي حرد قادرين* فلما رأوها قالوا إنا لضالون* بل نحن محرومون..... فالمجتمع المسلم يعين بعضه بعضا, ويربط بين أفراده الأخوة في الدين, ولذلك قرر الإسلام مبدأ الأخوة بين المسلمين فيقول الله- سبحانه وتعالي... إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون.... والسعي في قضاء حوائج الناس لا يقتصر علي تقديم العون المادي فقط بل يشمل حاجة الآخرين إلي النصح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والأخذ بيد العاصي إلي الطاعة, فإذا سارع المسلم إلي القيام بهذه الأعمال علي أفضل حال كان ذلك سببا في نجاة الجميع, وإذا فرط في حقها كان ذلك سببا في هلاك الجميع, ومن هنا يتبين لنا بالدليل القاطع أن حاجة الناس إلينا نعمة من الله علينا, لأن الحرص علي قضاء تلك الحاجات يجعله الله سببا لتفريج الهموم وكشف الكرب وسبيلا إلي النجاة من الهلاك. ويقول الشيخ جمال توفيق من علماء الأوقاف:لا يدري الإنسان أن من كان في حاجةأخيه كان الله في حاجته, وأن الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه فلئن تقضي لأخيك حاجة كأن تعلمه أو ترشده أو تحمله أو تقرضهأو تشفع له فيخير أفضل عند الله من ثواب اعتكافك شهرا كاملا فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال:أحب الناس إلي الله أنفعهم, وأحب الأعمال إلي الله عز وجل سرورتدخله علي مسلم, أو تكشف عنه كربة, أو تقضي عنه دينا, أو تطرد عنه جوعا, ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن اعتكف في المسجد شهراومن كف غضبه ستر الله عورته, ومن كظم غيظا, ولو شاء أن يمضيه أمضاهملأ الله قلبه رضا يوم القيامة, ومن مشي مع أخيه المسلم في حاجته حتييثبتها له أثبت الله تعالي قدمه يوم تزل الأقدام,وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل.