تبدو قمة منتدي التعاون الصيني- الإفريقي, في بكين فرصة لجميع الأطراف المشاركة بها لعرض وجهة نظر كل منها فيما يمكن اعتباره بداية عقد جديد من التعاون الدولي المشترك والمثمر بين عملاق اقتصادي وقوة سياسية لها وزنها مثل الصين, وقارة واعدة بمقوماتها الاقتصادية والطبيعية غير المحدودة في كل المجالات مثل القارة الإفريقية, في ضوء صراع اقتصادي عالمي بين القوي الكبري, تلعب فيه الولاياتالمتحدة مباراة تتعارض مع قواعد التجارة الحرة, وتحاول من خلال فرض عقوبات اقتصادية علي حلفائها قبل منافسيها بوضع إجراءات حمائية ورسوم جمركية علي السلع التي تستوردها من الخارج الهيمنة بطرق غير قانونية علي السوق العالمية. كما تعد هذه القمة الاقتصادية المهمة فرصة هائلة لمصر لطرح رؤيتها الخاصة من أجل النهوض بالقارة السمراء, لا سيما وأنها ستتولي رئاسة الاتحاد الإفريقي العام المقبل2019, مع الوضع في الاعتبار أنها لم تأل جهدا من أجل تحقيق أعظم استفادة ممكنة من حالة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الصين وإفريقيا في السنوات المقبلة التي مهدت لها الصين طويلا خلال السنوات الماضية, من خلال زيارات عديدة للرئيس الصيني وكبار المسئولين في شتي المجالات لعدد كبير من الدول الإفريقية, وكذا ضخ استثمارات هائلة في القارة المتشوقة إلي تحقيق تنمية مستدامة من أجل رفاهية شعوبها. يأتي ذلك في الوقت الذي حقق فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي نجاحات كبيرة وخطا خطوات واسعة في اتجاه استعادة الدور المصري الريادي والحيوي في القارة السمراء عوض من خلالها الغياب المصري عن القارة الذي امتد سنوات طويلة وهو الأمر الذي يمكن عن طريقه تحقيق استفادة سياسية واقتصادية مشتركة لمصر ولشعوب وحكومات القارة الإفريقية التي تسعي إلي تحقيق التنمية المستدامة من خلال أجندة أعمال الاتحاد الإفريقي2063, الأمر الذي شجع القيادة المصرية علي أن تكون صوتا مدافعا عن القضايا الإفريقية في المنتديات الدولية. ولا شك أن مشاركة الرئيس عبدالفتاح السيسي في المنتدي الصيني الإفريقي ستسهم بقدر كبير في تحقيق ما تسعي له القيادة السياسية من بناء تكتلات اقتصادية إفريقية قوية والعمل علي ربط الدول الإفريقية ببعضها البعض, من خلال شبكة من مشروعات البنية التحتية مستفيدة من مبادرة الحزام والطريق التي تنفذها الصين. وتعد هذه الزيارة استكمالا للجهود التي بذلها ويبذلها الرئيس السيسي منذ توليه مسئولية الحكم في مصر, والتي توليها القيادة السياسية الصينية اهتماما بالغا وتعتبرها فرصة مهمة للتشاور وتبادل الآراء بين الرئيسين عبدالفتاح السيسي وشي جين بينج, وتدعيما لأواصر الصداقة الاستراتيجية بين الجانبين والتعاون الاقتصادي المثمر بين البلدين, ويبدو الجانب الصيني مستعدا لدعم مصر من أجل تحقيق مصالح مشتركة للجانبين لتنفيذ ما سوف يتم الاتفاق عليه خلال القمة المرتقبة في بكين. كما يتطلع الرئيس الصيني إلي إجراء مباحثات مثمرة مع نظيره المصري حول القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك وسبل إعطاء دفعة أكبر لأجندة التعاون الثنائي في مختلف المجالات. وتجدر الإشارة إلي اتفاق كل الأطراف المشاركة في القمة الصينية الإفريقية علي أهمية الدفاع عن حرية التجارة العالمية والتنمية الاقتصادية, ومواجهة ما يهددها من مخاطر الصراع الاقتصادي الشرس بين القوي الاقتصادية الكبري. لا تخفي علي أحد التحركات الدبلوماسية الصينية المكثفة, التي تهدف إلي حشد الدول الإفريقية من أجل تأييدها في جهودها لمواجهة الحرب التجارية الأمريكية وإعطاء دفعة قوية للعلاقات الثنائية, حيث قام الرئيس شي جين بينج, بجولة إفريقية ناجحة في يوليو الماضي, في السنغال وراوندا وموريشيوس وجنوب إفريقيا, وأكد خلال مشاركته في قمة البريكس بجوهانسبرج, أهمية التمسك بنظام متعدد الأطراف, ومطالبة جميع الأطراف بالالتزام الكامل بتبني القواعد الدولية, وتأكيد التعامل مع جميع الدول علي قدم المساواة بغض النظر عن حجمها, ومعالجة القضايا من خلال المشاورات, ومعارضة سياسة الهيمنة والقوة. كما شدد بينج, علي أهمية الدعم بقوة لنظام التجارة متعدد الأطراف وإصلاح نظام الحوكمة الاقتصادية العالمية, وزيادة تمثيل وصون الأسواق الناشئة والنامية, حيث نجحت الصين في استعادة العلاقات الدبلوماسية مع بوركينا فاسو في مايو الماضي والتي اعترفت بمبدأ الصين الواحدة, وأن تايوان جزء من الأراضي الصينية. ومن المقرر أن تبحث قمة بكين المرتقبة تحت عنوان التعاون المربح للجانبين, التكاتف لبناء مجتمع أقرب لمستقبل مشترك للصين وإفريقيا سبل تعزيز شراكة التعاون بين الصين والدول الإفريقية من خلال الاستفادة من البناء المشترك للحزام والطريق وخطة التنمية المستدامة2030 للأمم المتحدة وأجندة أعمال الاتحاد الإفريقي2063, بالإضافة إلي الاستراتيجيات المختلفة للدول الإفريقية, بهدف تحقيق التعاون المربح وفتح آفاق جديدة للتنمية المشتركة. ولا يأتي اهتمام الصين بالقارة الإفريقية وليد اللحظة, ولكنه يعود إلي عقدين من الزمن, حيث سعت إلي تأسيس علاقات قوية مع أغلب الدول الإفريقية بهدف تحقيق استفادة اقتصادية لشركاتها سواء باستيراد المواد الخام المتوافرة في القارة السمراء أو بتصدير السلع الصينية إلي السوق الإفريقية الواعدة, إضافة إلي تحقيق حضور صيني قوي لدعم الحوار بين القادة في الصين ونظرائهم في إفريقيا. باختصار.. يمكن تأكيد أن المنتدي يعد حدثا تاريخيا مهما يعزز التعاون الاستراتيجي بين إفريقيا والعملاق الصيني, وهي قمة لم يسبق لها مثيل من حيث الحجم ستحظي باهتمام عالمي, وستدفع الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين وإفريقيا إلي مستوي جديد, وفي الوقت نفسه ستعزز مصر في مساعيها لاستعادة دورها الريادي في القارة الإفريقية.