إذا فتشنا في تاريخ أي عمل إعلامي, أو يرتبط بالإعلام, فإننا نكتشف بسهولة ودون مجهود يذكر أن مصر كانت لها الريادة عربيا في هذا المجال, ثم تنازلت عن العرش طواعية واختيارا, حتي لم يعد لها مكان. وينطبق هذا الكلام المؤسف علي الرسوم المتحركة, فقد بدأته مصر في تليفزيونها عام1960 علي يد رائدي فن الرسوم المتحركة علي وحسام الدين مهيب ومرت بمراحل عديدة علي مدار51 عاما من الإنتاج والتسويق.. والمحصلة النهائية أن دورها بدأ يتراجع محليا وعالميا. وبحسب الفنانة فايزة حسين مديرة عام الرسوم المتحركة بالتليفزيون المصري سابقا فإن العثور علي مؤلف قصص الأفلام ليس سهلا لأن طفل اليوم تغير كثيرا فلابد من وجود المتخصص في الكتابة للطفل, ولدينا حوالي2000 رسام رسوم متحركة, لايستطيعون تغطية ما نحتاجه علي الشاشة من ساعات عرض. ورفضت الفنانة المخضرمة ما يقال من أن فيلم الرسوم يحتاج ميزانية كبيرة, مشيرة إلي أن أجر أي ممثل عادي ومحدود الموهبة يساوي تكلفة انتاج30 حلقة رسوم متحركة يعمل فيها400 شخص! وتلفت المسئولة السابقة الانتباه إلي أن كلية الفنون الجميلة في السنوات الأخيرة أصبحت تقبل بالمجموع وليس بالقدرات الفنية, إضافة إلي أن بعض الرسامين الموهوبين ابتعدوا عن المجال لكثرة معوقات الإنتاج والتسويق. كما أعربت فايزة حسين عن حزنها لسيادة أفلام الرسوم المتحركة المستوردة والمدبلجة بلهجات عربية مختلفة, معتبرة أن لها تأثيرا سلبيا في نقل بعض الأفكار كالعنف الذي انتشر في معظم الأفلام المدبلجة. وشخصت الدكتورة رشيدة الشافعي العميدة السابقة لمعهد السينما والاستاذة بقسم الرسوم المتحركة بالمعهد قضية الكارتون قائلة: نعاني من مشكلتين احداهما إنتاجية وخاصة بالتكلفة المادية لان الاجهزة والتقنيات الحديثة تحتاج إلي تكلفة عالية, والمشكلة الثانية هي المستوي الفني الذي يحتاج الي تجويد في المادة والفكرة والشخصية الكرتونية المطروحة. واضافت ان لدينا عيبا خطيرا يتمثل في أننا لا نمتلك شخصية مصرية, فمثلا اليابان اوجدت شخصيتها من أساطيرها, ونحن لدينا اساطير شعبية يمكن ان توجد منها شخصيات ولكن لم توجد بعد اي شخصية كرتونية يمكن ان نطلق عليها أنها مصرية. وعن دخول الفوازير في الكرتون تقول رشيدة انها فكرة استخدمت كثيرا في برامج رمضان فهي تحقق أرباحا بالإضافة إلي أنها كلها تدور حول البحث عن الجاني بدون معلومة وبكل أسف فإن تراثنا وأساطيرنا وتاريخنا لم ينفذه مصريون بل نفذه والت ديزني الذي نفذ فيلم علاء الدين وأتهم الفنان أحمد الترجمان مخرج أفلام الرسوم المتحركة النظام السابق بأنه كان يتعمد تهميش الكل بدءا من الطفل. واصفا الرسوم المتحركة بأنها صناعة معقدة وصعبة ومكلفة للغاية فإنتاج فيلم رسوم متحركة يحتاج إلي وقت كبير ورسامين ومتخصصي فن التحريك والجرافيك فعمل ثانية واحدة من الفيلم قد يحتاج إلي أكثر من15 رساما بالإضافة إلي أجهزة الكمبيوتر والبرامج المخصصة للرسوم المتحركة. وقال الترجمان إن العائق الحقيقي لهذه الصناعة هو وجود أعداد قليلة من الفنانين الذين يستطيعون العمل بهذه البرامج, فهناك بعض الجهات التعليمية القليلة التي تقوم بتدريس هذه البرامج وكيفية العمل بها مثل معهد السينما وكليات الفنون الجميلة والفنون التطبيقية بالإضافة إلي المراكز التي تقدم دورات تعليمية في فنون الجرافيك والدورة التدريبية علي فن الرسوم المتحركة. وعن المعوقات قال الترجمان إن الموضوعات كلها مطروحة ولايجب أن يكون هناك حظر علي أي موضوع يقدم من خلال الرسوم بشرط المضمون والعائد الفكري, ولكن السيناريو والشخصية الكارتونية التي تقدم هذه الأفكار تعد من أهم عوامل نجاح الفيلم, ولابد من توفير مساحة عرض مخصصة للطفل وميزانية للإنتاج, وبرعض الأفلام تقدم بشكل عشوائي بين الفقرات لسد فراغ الوقت وكأنها بدل الاعلانات, وهذا لايشكل جمهورا ثابتا, قناة الأسرة والطفل يمكنها إعادة صياغة فكرها وتقديم الجديد في المرحلة القادمة. ومن جانب آخر تري الدكتورة ذكاء الأنصاري الكاتبة والإعلامية والباحثة في التراث الشعبي أن الرسوم المتحركة تحتاج للسيناريو لا الحوار, بمعني الحوار الذي يوجد سياقا مشوقا وممتعا وبالتالي يكمل الهدف من السيناريو, كاتب فيلم الرسوم المتحركة ينقصه الفكر والموضوع الذي يهم المجتمع المصري بصفة خاصة والمجتمع العربي بصفة عامة. واستطردت ان التليفزيون المصري لايتعامل مع الكاتب المتخصص للرسوم المتحركة, بل يتعامل مع قلة ومجموعة بعنيها كانت مسيطرة علي مبني ماسبيرو رغم وجود قطاع انتاج للرسوم المتحركة.