استعادة عظمة الأجداد وشروق الشمس علي أهم حضارة عرفها البشر.. أجواء عاشها الأهرام المسائي في قرية تل العمارنة أو تل بني عمران التابعة لمدينة دير مواس بمحافظة المنيا.. وهي واحدة من القري التي تشغل بال كثير من الباحثين والمهتمين بالتراث والحضارة لما تحويه من أسرار وحكايات حول مدينة أمنحوتب الرابع إخناتون والتي عرفت باسم آخت آتون وكان يحلم الملك ببنائها كعاصمة جديدة لمعبوده وتكمن أهميتها باعتبارها شاهدا علي تاريخ واحدة من أهم الأسرات الفرعونية التي حكمت مصر في عصر الدولة الوسطي وهي مرحلة تعدت فيها الدولة المصرية حدود المملكة وضم الحاكم المصري تحت إمرته عددا من الدول التي دفعت الجزية مقابل حمايتها والدفاع عنها.. وترجع تسميتها بتل العمارنة نسبة لقبيلة بني عمران الذين مكثوا بالمنطقة وعمروها. ولعل ما أعلنه الدكتور خالد العناني وزير الآثار مؤخرا عن الكشف الأثري المهم بمنطقة الغوريفة بمنطقة تونا الجبل, التابعة لمركز ملوي, يؤكد أن الحضارة المصرية القديمة لا تزال تحتاج إلي جهود كبيرة في مجال الحفائر العلمية والتنقيب لسبر أغوارها والكشف عن المزيد من أسرارها حيث لا تزال الأرض حبلي بالكثير من الآثار. وحدد اخناتون مدينته الجديدة بأربع عشرة لوحة صخرية11 في الجبل الشرقي بتل العمارنة و3 في الجبل الغربي وقد حدد نص الألواح حدود المدينة بكل دقة وانها مدينة غير قابلة للتوسع ولها خصوصيتها وتميزت مقابر تل العمارنة بمناظرها الفريدة التي من خلالها تم التعرف علي تخطيط المدينة وقصورها ومعابدها وما تحويه من كنوز بل إن تغيير إخناتون اسمه من أمنحتب الرابع ويعني آمون راض لإخناتون يعني تخلص إخناتون من نسبه لآمون واختياره اسم إخناتون والذي يعني النافع أو المخلص لآتون لهو أكبر دلالة علي أن الملك وراءه سر كبير. اختيار تل العمارنة وعن سبب اختيار هذا المكان تحديدا أجابت د شيماء صبحي الباحثة الأثرية بقولها إن إخناتون أعلن ديانة التوحيد لآتون قرص الشمس وأكد أنه المعبود الوحيد والرئيسي للدولة وبذلك فقد ألغي جميع المعبودات الأخري وزاد التعصب ضدها وهو الأمر الذي لم يعتده المصري القديم من قبل وقام بتحويل معابد المعبود آمون بطيبة الي المعبود آتون ويعتبر ذلك خروجا من اخناتون علي العادات والتقاليد وهذا بدوره أحدث نزاعا شديدا بين الملك وكهنة آمون مما جعله يهجر طيبة معقل آمون وغيره من المعبودات ويبحث عن موقع جديد ليتعبد لمعبوده حيث كان المكان أرضا بكرا طهورا لم يعبد بها أحد من قبل وكانت فضاء كما أنها تتوسط بين الشمال منف والجنوب طيبة وحملت اسم آخت آتون أي مشرق قرص الشمس وصار سكان هذه المدينة وأرضها وكل مواردها في خدمة المعبود الجديد وبحسب المصادر فان الملك أشرف علي تصميم مرافق المدينة بنفسه وأصبحت مقرا لإقامة الأسرة الملكية والمركز السياسي للمملكة وقد بنيت علي غرار طيبة. الملك يدفن بالعاصمة الجديدة والغريب أن المصادر تشير إلي أن الملك أقسم أنه لن يخرج من عاصمته الجديدة وأن يدفن بها وذلك علي عكس ما هو معروف أن الملوك يدفنون بوادي الملوك بطيبة, حيث تشير بعض الأدلة إلي أن الملك قد دفن بمقبرته الملكية لأنه عثر علي بعض الأثاث الجنائزي والتابوت الخاص به وتماثيل الأوشابتي والأواني الكانوبية التي توضع مع المتوفي إلا انه لم يعثر علي المومياء الخاصة به, وهناك بعض الآراء التي تعتقد بأنه ربما أخذت الملكة تي والدة الملك مومياءه بعد وفاته ودفنتها في وادي الملوك أو ربما قام كهنة آمون بحرقها والتخلص منها.. إضافة إلي أن ابنته الأميرة ماكت آتون دفنت بها. السيول تصدع المقبرة الملكية ويوضح الباحث الأثري محمد إبراهيم أن المقبرة الملكية تأثرت كثيرا بالسيول وأصبحت في حالة يرثي لها وهي بحاجة إلي مشروع كبير لاكتشاف ما فيها من أسرار, وقد اكتشفت بواسطة البدو عام1882 ثم قام عالم الآثار الألماني اليساندروبارسانتي بتنظيفها وزارها عالم الآثار الإنجليزي كارتر عام1892 وقام بنشر ونسخ بعض مناظرها,وترجع أهمية هذه المقبرة إلي أنها المقبرة الملكية الوحيدة في منطقة مصر الوسطي,وقد شيد إخناتون مقبرته علي محور واحد ربما لتواجه جميع أجزائها الشمس عند شروقها طبقا لعقيدته. ويضيف: ولعل من أهم مناظر المقبرة تلك الموجودة في حجرة الأميرة ماكت آتون وهي في مجموعها تمثل إخناتون وأفراد أسرته ينعيان ابنتهما وفي منظر آخر صورت العائلة الملكية وبعض النساء يبكين الأميرة الراحلة, ونظرا لأن طبيعة الصخر التي نحتت فيه المقبرة من الحجر الرسوبي فإن معظم النقوش تعرضت للتلف بعد كارثة السيول عام1996 وامتلأت بكاملها بالمياه وقد قامت منطقة أثار مصر الوسطي برفع هذه المياه, كما تعاني المقبرة من الرطوبة مع عدم توافر مصدر للتهوية.. مما يتطلب توفير الاعتمادات المالية اللازمة للحفاظ عليها من المزيد من التدهور. وأضاف أن المقبرتين27 و28 لاتزالان مجهولتين ولا يعرف صاحبيهما وتحتاجان إلي أبحاث مكثفة للتعرف عليهما. كيفية نحت المقابر وتلوينها وستظل المقبرة الرابعة الخاصة بكاتب الملك رع شاهدا علي الطريقة والكيفية التي كان الفراعنة ينحتون بها مقابرهم- بحسب كلام الأثري راغب عبدالحميد مدير اثار اسيوط الشمالية- فالمقبرة عبارة عن صالتين بكل واحدة أربعة أعمدة تنتهي بمقصورة وفي الحجرة الثانية بداية وكيفية نحت الأعمدة والتي تبدأ بتحديد مكانه ثم عملية التفريغ للأماكن المحيطة بالعمود ثم عمليات النحت وجعله دائريا وكان واضحا مدي المشقة التي يلاقيها العمال ولذا تعتبر هذه المقبرة شاهدا ودليلا عمليا علي كذب وعدم صحة ما كان يروجه البعض من أن الفراعنة كانوا يستقدمون هذه الأعمدة من أماكن أخري ويتم زرعها داخل المقبرة. انتابتنا الحيرة وبدأنا نسأل كيف يتم اختيار أماكن كهذه ككتلة صخرية وما هو دفع العامل إلي مواصلة هذا العمل الشاق وكم كان يستغرق في نحت كل هذه الصخور وهل كان يعمل بنظام الخوف والسخرة هنا قاطعتنا الدكتورة شيماء صبحي قائلة إن كل الشواهد تؤكد أن العامل كان يعمل بحب وعاطفة كبيرين لما سوف يتلقاه من حفاوة من الملك بجانب طاعته للمعبود والقدسية التي ينالها وتقربه منه وكل ذلك متمثل في الملك حيث كان يعتبر الملك ابن المعبود المتمثل علي الأرض ويحكم باسمه وبذلك يعتبر الوسيط بين الشعب والمعبود لأن نسبة الخلل لا تتعدي الواحد1% في عمله, وكانت هناك منافسة كبيرة بين العمال في تجويد منتجهم كذلك كان العمل بالنسبة لهم رد جميل علي اهتمام الملك وحفاوته بهم بداية من تصميم المدينة التي كانوا يسكنون فيها.. ثم رصدنا ان العمل كان يتم علي مراحل ففور انتهاء تفريغ الحجرة تبدأ المرحلة الثانية وهي صنفرة الحجرة ثم مرحلة تحديد ما ستتم كتابته وهو أيضا عبارة عن نحت ثم مرحلة التلوين وكلها كانت تتم غاية في الدقة والإتقان. وأخيرا فإن إخناتون ليس وحده من يحيطه الغموض بل إن زوجته نفرتيتي لا تزال هي الأخري لغزا يحير الدارسين ويجذب الباحثين لمعرفة أسرار الملكة الجميلة التي لعبت دورا كبيرا في الحياة الاجتماعية والسياسية والدينية مع زوجها وهو ما يتطلب توفير الاعتمادات المالية وتكثيف البعثات الأثرية لكشف أسرار المنطقة.