نتحدث كثيرا عن ضرورة الحوار بين أطراف مختلفة مضادة, الحوار بين الأديان, والحوار بين الأجيال, والحوار بين الشرق والغرب والشمال والجنوب; ونشكل لجانا ونقيم مؤسسات تدعو الي الحوار وكأن الحوار بات هدفا في حد ذاته, نفخر بممارسته. إن الحوار في حد ذاته ليس خطأ, ولكن الخطأ هو أن نعتبره هدفا, وليس الأداة, أو الوسيلة للتوصل من خلالها الي حلول لمشكلات متشابكة ومعلقة ومتشعبة. ولكي ينجح الحوار للوصول الي الحلول, يجب تحديد بعض النقاط التي يجب أن يتبعها. يجب أولا تحديد القضايا التي يتم طرحها للحوار والتي يجب أن تكون تلك التي تهم الغالبية العظمي من الشعب, أو السكان; يجب ان يتناول الحوار القضايا العامة وأخري التي يتفاعل معها فئة معينة سواء كانت فئة عمرية أو اجتماعية أو مهنية. وذلك يقودنا الي النقطة التالية, فإن الحوار الحقيقي لا يتم داخل الصالات المغلقة, وبين المثقفين والقادة, بل يجب أن ينطلق الي الخارج, يشارك فيه كل أطياف الشعب, ومن يهمه الأمر. قد يكون هؤلاء من غير المتعلمين, وقد يكونون من الفقراء, ولكن هؤلاء هم الذين يعانون المشكلات الحقيقية, وهم من يجب التحدث معهم والتحاور للوصول الي حل لمشكلاتهم. لذا, فإن الحوار يجب أن يكون علي مستوي شعبي عام, فيتم ذلك علنيا وإعلاميا, تفتح البرامج التليفزيونية قنواتها للحوار, ينتقل المسئولون الي الجامعات والنقابات والقصور الثقافية لعقد ندوات حوارية حول المشكلة أو القضية المطروحة. وإن كانت المشكلة تمس فئة معينة, فيجب ان يتم الحوار حولها في المناطق التي تضم هذه الفئة الخاصة. وأخيرا, الحوار هو عكس الخطاب. إن كان الخطاب يمارسه شخص بمفرده ويستمع إليه الآخرون, فإن الحوار يتم بين كل الأشخاص المعنيين بدون إقصاء متعمد, يتحاورون حول قضية, أو مشكلة, فتطرح الأفكار وتتبادل المعلومات وتطلق الآراء مهما كانت متباينة وصادمة, فتتفتح المدارك وتضح الرؤي, مما يؤهل المشاركين الي الوصول الي أفضل الحلول. تلك الحلول التي تغير وضع الغالبية العظمي من المتضررين الي الأفضل. إن جوهر الحوار هو الرغبة في التقارب مع الآخر والتوصل الي الحل, وليس فرض وجهة نظر والتأكيد علي أنها الأفضل وكسب موقف لا يصل بنا الي أي نتائج إيجابية ملموسة; والدافع الي الحوار هو إنهاء الخصومة وإيجاد وسيلة أخري للتعايش في سلام, بدلا من اللجوء الي الحروب والصراعات. لأن في تلك الحالة ينتصر دائما الأقوي, ولكن في حالة الحوار فإن المنتصر هو الحق.