ليس مهما أن تقرأ مقولة الزعيم الهندي الراحل المهاتما غاندي التي قال فيها سبعة أشياء تدمر الإنسان: سياسة بلا مبادئ, متعة بلا ضمير, ثروة بلا عمل, معرفة بلا قيم, تجارة بلا أخلاق, علم بلا إنسانية, عبادة بلا تضحية, بل قد تحتاج فقط أن تقرأ موقف رئيسة الوزراء البريطانية تريزا ماي لدي استقبالها رئيس وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في مكتبها ب10 داوننج ستريت للاحتفال بمرور مائة عام علي صدور وعد بلفور الذي وعد به آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا اليهود بمساعدتهم في بناء وطن قومي يلم به شتات اليهود حول العالم, وبرت بريطانيا بالوعد وسلمتهم أرض فلسطين ليعيثوا فيها فسادا منذ69 عاما وحتي يومنا هذا, هذا الوعد الذي صدر في أول نوفمبر عام1917 ليتيقن الجميع أن السياسة عمل بلا مبادئ ولا قيم ولا أخلاق ولا إنسانية, وأن السياسيين البريطانيين علي وجه الخصوص يفتقدون كل هذه المبادئ, ليس فقط خلال الفترة الاستعمارية, بل وإلي الساعة. كان علي رئيسة وزراء بريطانيا أن تراجع سياسة بلدها, وأن تشعر بتأنيب الضمير أن تسبب وزير خارجية بلدها في تشريد شعب بأكمله, مازال يدفع ثمن هذا الوعد المشئوم من حريته ودماء أبنائه. تريزا ماي لم تساورها لحظة حياء واحدة وهي تعلن خلال مأدبة دعت لها مجرم الحرب نتنياهو أن تقول: بريطانيا فخورة بالدور الذي لعبناه في إقامة دولة إسرائيل! بعد كل الدماء الفلسطينية التي أريقت علي مدي أكثر من70 عاما, والعذابات التي تحملها الشعب الفلسطيني من غطرسة واعتقال وتعذيب وتشريد وحرمان من أبسط الحقوق الإنسانية الشرعية في العيش آمنا فوق تراب بلده, وكل ما ذاقه من ويلات علي يد جنود احتلال إسرائيليين, تفاخر ماي بالدور الذي لعبته بريطانيا في جلب عصابات صهيونية للاستيلاء علي بلد عربي. ماي عبرت عن الموقف الرسمي لبريطانيا, أما الموقف الشعبي فتكفل به فنان الجرافيتي البريطاني الشهير بمواقفه الرافضة للظلم في أي مكان المجهول الملامح بانكسي, حيث قام بتنظيم حفل اعتذار للشعب الفلسطيني في فندقه بمدينة بيت لحم بالضفة الغربيةالمحتلة قبالة جدار الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل في المنطقة, شارك في الحفل خمسون طفلا فلسطينيا من مخيمي عايدة والدهيشة أشرفت عليه ممثلة ارتدت قناعا عليه صورة ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية, بينما ارتدي الأطفال خوذات عليها العلم البريطاني وآثار خرق للرصاص, وسط أعلام بريطانية ممزقة. فنان الجرافيتي البريطاني قال في بيان إن: النزاع جلب الكثير من المعاناة للناس علي الجانبين, ليس من الملائم الاحتفال بالدور البريطاني فيه. وأزاحت الملكة الستار عن لوحة أسمنتية حفر عليها إ ر, آسفة في إشارة إلي الحرفين الأولين من اسم الملكة إليزابيث ريجينا. وتم نحت الاعتذار علي الجدار الفاصل المثير للجدل الذي بنته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. ورغم رمزية ومحدودية حفل الاعتذار الذي نظمه الفنان البريطاني, وعدم تأثيره علي مجريات الأمور, ولا علي الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني, فإنه لم يخل من مغالطات ربما تكون مقصودة, حيث جاء في بيانه كلمة النزاع في إشارة للصراع الفلسطيني الإسرائيلي, وهي كلمة غير دقيقة تضيع الحق الفلسطيني الأصيل, وتساوي بين المحتل الغاصب وبين أصحاب الحق الأصيل في الأرض, كما ساوي بين الجلاد والضحية في المعاناة, وهذه أيضا مغالطة كبيرة, رغم رفضه للاحتفال الذي نظمته بريطانيا والاستقبال الحافل لنتنياهو في لندن. وبطبيعة الحال تختلف نظرة الفلسطينيين لذكري وعد بلفور المئوية عن نظرة الإسرائيليين له, فهو بالنسبة لهم كارثة بكل معاني الكلمة, ضاعت بلادهم بسببه وسلبت أراضيهم وعانوا الشتات في منافي العالم, بينما الوعد نفسه كان إيذانا بإنشاء وطن قومي لليهود من دون وجه حق. المفارقة المؤلمة أن الموقف الرسمي البريطاني الذي يفتقد إلي الضمير والأخلاق صريح ومعلن علي لسان رئيسة الوزراء البريطانية رأس السلطة التنفيذية, والموقف الإنساني المحايد نسبيا يأتي من شخص مجهول الهوية, استحي من الظهور العلني.