منذ بدأ الرئيس الأمريكي حملته الانتخابية, كانت إيران ولا تزال حتي الآن إحدي قضاياه الأساسية وأعلن وهو مرشح وكذلك بعد أن أصبح رئيسا لأمريكا أنه ينوي إلغاء الاتفاق النووي مع إيران واعتبره أسوأ اتفاق وقعته أمريكا, وتجاهل ترامب أن الاتفاق لم يكن بين الولاياتالمتحدةوإيران وحدهما ولكنه بين خمسة دول وإيران(5+1) وأن إلغاءه يتطلب موافقة باقي الدول الخمس علي ذلك وهو ما رفضته تلك الدول وتقييم الموقف الأمريكي من هذا الاتفاق ومسارات الحركة المتدفقة بخصوصه يتعين علينا أن نستعيد به جوهر هذا الاتفاق, فهو باختصار شديد يتضمن نقطتين أساسيتين, وقف دوران البرنامج العسكري النووي الإيراني مقابل رفع العزلة الدولية, وهو علي هذا النحو يتضمن السماح لإيران بالسعي إلي قوة نووية سلمية تحت إشراف محكم لوكالة الطاقة الذرية وتضمنت تفاصيل الاتفاق, لتحقيق ذلك. الحد من قدرات إيران علي تخصيب اليورانيوم, ومراقبة عملية البحوث بهذا الخصوص وتطورها, وتحديد سقف لدرجة التخصيب وكمية الوقود المخصب, وتضمن كذلك إجراءات محددة علي حيازة إيران سلع حساسة مزدوجة الاستخدام كما تضمن الاتفاق آليات لفرض العقوبات إذا رأت أي من الدول الموقعة علي الاتفاق أن إيران انتهكت بنوده. الاتفاق علي النحو السابق حدد فترة زمنية تمتد إلي عشر سنوات تمنع إيران خلالها من أي برنامج عسكري نووي أو توفير البنية الأساسية لهذا البرنامج ويسمح لها بذلك بعد تلك السنوات العشر, أي باختصار تأجيل تصنيع إيران للقنبلة الذرية لمدة عشر سنوات, وجاء تلويح الرئيس الأمريكي بإلغاء الاتفاق أو الانسحاب منه, ورد عليه الرئيس الإيراني روحاني بالقول إنه إذا انسحبت أمريكا من الاتفاق سوف تكون إيران مطلقة اليد وحرة في اتخاذ الإجراءات التي تخدم مصالحها. والحقيقة أن ذلك الاتفاق لم يحظر تطوير صواريخ ولا إجراء تجارب صاروخية وقد حرصت إيران خلال المفاوضات التي استمرت زهاء13 عاما علي ذلك. واليوم يتحدث الرئيس الأمريكي عن برنامج إيران الصاروخي وكأنه جزء من الاتفاق النووي وإخلال ببنوده, وهذا غير صحيح, والمتابع للموقف الأمريكي من كوريا الشمالية وبرنامجها النووي يلاحظ أوجه التشابه بين التعامل الأمريكي مع برنامجها النووي والتعامل الأمريكي مع البرنامج النووي الإيراني. فطموحات البلدين النووية كبيرة وهناك فشل مخابراتي في كشف البرنامج النووي في كلاهما وكذلك فشل عمليات تفتيش الوكالة الدولية في ذلك, وتم ضبط البرنامجين بعد تحقيق مراحل متقدمة. ولاشك أن فشل المفاوضات الأمريكية وجهودها هي وحلفائها في وقف البرنامج النووي لكوريا الشمالية يعيد إلي الأذهان قدرة واشنطن علي وقف البرنامج النووي الإيراني إذا ما انسحبت من الاتفاق النووي الإيراني. فمن الواضح أن الدول الموقعة علي الاتفاق ترفض الموقف الأمريكي وتري هذا الاتفاق ضمانة لتأجيل البرنامج النووي العسكري الإيراني عشر سنوات وأن الانسحاب منه سوف يعيد تجربة الفشل أو منع برنامج كوريا الشمالية التي في تقديرات الكثير من الخبراء قد تجاوزت العقبة النووية. وقد اقترن موقف هذه الدول بهرولة واضحة للاستفادة من رفع العقوبات عن إيران وتوقيع عقود استثمارية ضخمة معها تمثل عامل ضغط علي موقفها من إيران بصورة كبيرة. الموقف الأمريكي يرتبط في جزء كبير منه بضغوط اللوبي اليهودي والضغوط الإسرائيلية الهادفة إلي جعل برنامج إيران النووي والصاروخي القضية المركزية خلال الفترة القادمة. ولاشك أن موقف حضور الإدارة الأمريكية الجديدة وعلي رأسها الرئيس ترامب وكذلك بعض أعضاء الكونجرس وجماعات الضغط الأمريكية يسهم بصورة كبيرة في دعم موقف القوي المحافظة والمتشددة مع إيران. ولا يخدم مواقف القوي المعتدلة وهو ما يزيد من القلق حول تشدد الموقف الإيراني تجاه أي أطروحات أمريكية بخصوص البرنامج النووي والاتفاق النووي بعناصره المختلفة لقد استفادت إيران من هذا الاتفاق اقتصاديا وسياسيا بصورة كبيرة, ونجحت في الحصول علي مقابل كانت في حاجة إليه مقابل ما قدمته من تنازلات خاصة تجديد عدد أجهزة الطرد المركزية لمدة عشرة سنوات وتحقيق درجة تخصيب اليورانيوم إلي50% ونقل مخزون اليورانيوم المخصب إلي الخارج. إيران اعتبرت ذلك تنازلا كافيا وكان المقابل رفع العقوبات وغض البصر عن الممارسات الإيرانية في الإقليم وقضاياه بل إن الإدارة الأمريكية السابقة لم تجد أي مشكلة في إجراء حوارات بين قادة عسكريين أمريكيين ونظرائهم الإيرانيين في العراق بخصوص بعض العمليات وهو ما أعطي الحضور العسكري الإيراني في العراق نوعا من الشرعية. وحدث تمدد للحضور.