قد يندهش القارئ العادي إذ أكتب عن مفيد فوزي وهو الذي يكتب عن الآخرين ويحاور الكبار ولا يخشي اقتحام حقول الأشواك. والحقيقة أن هذا المبدع الكبير لا الصحفي الكبير فقط لا يكفيه أن نطلق عليه لقب المحاور رغم أن هذا اللقب يحوي داخله ثقافة عالية وسرعة بديهة وموهبة خاصة وقادرة, إنما يدفعني إلي الكتابة عنه حبه وحماسه للحياة.. ذلك الحماس الذي لا يفتر طوال أكثر من خمسين عاما. ولهذا المبدع الفضل في أن نبهني في بداية حياتي الفنية إلي نقطة مهمة غيرت مفاهيم كانت راسخة أيامها لدي وهي أن الشر في الحياة أقوي من الخير. كما جاء علي لسان نور الشريف في فيلم كتبت له السيناريو باسم الحاجز مثله مع نادية لطفي وقام بتشريحها فيه وهو مخمور بديلا عن الضفدعة التي فشل في تشريحها في كلية الطب لفرط حساسيته وكنت أيامها متخرجا حديثا من قسم الفلسفة بالجامعة ومتأثرا بعجرفتها.. كتب مفيد فوزي ينبهني إلي أن الشر قد يبدو أحيانا شائعا أو منتصرا لكنه لا يبقي كذلك أبدا إذ أن الخير هو عمود الخيمة في الحياة وإلا ما استمرت.. يبدو مفيد فوزي متحمسا للحياة حتي في انفعالاته وتضاريس وجهه القافزة دائما للأمام حتي لتكاد تغادر وجهه تبث الحياة في محدثه أو محاوره. قرأت له أخيرا مقالا عن الراحلة الكبيرة الراحلة الفنانة الموهوبة سعاد حسني يورد فيها عبارة يقول فيها الأديب العالمي ألبرتو مورافيا: طاردوا الموهوبية في أحراشهم وقد أعجبتي بشدة لقطة الأحراش الدالة دلالة دقيقة علي تلك المجالات التي يتريض أو يتعذب فيها الموهوبون إلي أن ينتجوا ذلك المنتج الساحر الذي يقدمونه للبشر. يقول مفيد فوزي مضيفا لعبارة مورافيا: إن مهمة الكشافين الذين يشمون رائحة الموهبة ويغامرون يخسرون الآن أي تقل أعدادهم لأن مهمتهم صعبة وتحتاج الصبر والمثابرة وقبل ذلك الإيمان بالحياة والحماس للحياة وفي رأيي أنا كاتب هذا المقال أن التاريخ ينبهنا إلي أن استمرار الحياة وتقدمها يصنعه المتحمسون.. والمتحمسون فقط.. والذين نسميهم ثوريين.. سواء في العلم أو الأدب أو السياسة أو الأخلاق أو الدين.. كلهم مكانوا متحمسين للحياة بشدة.. ويرون ما لا يراه الآخرون لكنه يدفع الحياة للأمام.. إنهم يوقظون النيام من الناس.. بل يوقظون الموتي منهم وما أكثرهم. إنها قدرة ليست سهلة ولا مستطاعة أن يحافظ كاتب كبير وموهوب مثل مفيد فوزي علي ذلك الحماس والنشاط والإيمان بالحياة طوال الوقت.. ولعل الحياة هي التي تعطيه هذا الحماس كرد جميل بقدر ما يعطيها هو.. لقد تمكن الرجل من صنع نفسه بنفسه.. لا لنفسه ولكن للحياة وللآخرين.