يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم(6) الذي خلقك فسواك فعدلك(7) في أي صورة ما شاء ركبك(8) سورة الانفطار. في الآيات همسة من العتاب مبطنة بالوعيد, لهذا الإنسان الذي يتلقي من ربه فيوض النعمة في ذاته وخلقته, فقد خلقه في هذه الصورة السوية علي حين يملك ربه أن يركبه في أي صورة تتجه إليها مشيئته, ولكنه اختار له هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة, ولكن الانسان لا يعرف للنعمة حقها, ولا يعرف لربه قدره, ولا يشكر علي الفضل والنعمة والكرامة. إن هذا الخطاب: يا أيها الإنسان ينادي في الانسان أكرم ما في كيانه, وهو إنسانيته التي بها تميز عن سائر الأحياء, وارتفع إلي أكرم مكان, ثم يعقبه ذلك العتاب الجميل الجليل: ما غرك بربك الكريم؟ يا أيها الإنسان الذي تكرم عليك ربك, بإنسانيتك الكريمة الواعية الرفيعة, يا أيها الإنسان ما الذي غرك بربك, فجعلك تقصر في حقه, وتتهاون في أمره, ويسوء أدبك في جانبه؟ وهو ربك الكريم, الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره. يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك؟ فخلق الإنسان علي هذه الصورة الجميلة السوية المعتدلة, الكاملة الشكل والوظيفة, أمر يستحق التدبر الطويل, والشكر العميق, والأدب الجم, والحب لربه الكريم, الذي أكرمه بهذه الخلقة, تفضلا منه ورعاية ومنة, فقد كان قادرا أن يركبه في أي صورة أخري يشاؤها, فاختار له هذه الصورة السوية المعتدلة الجميلة. إن الإنسان مخلوق جميل التكوين, سوي الخلقة, معتدل التصميم, والجمال والسواء والاعتدال تبدو في تكوينه الجسدي, وفي تكوينه العقلي, وفي تكوينه الروحي سواء, وهي تتناسق في كيانه في جمال واستواء! وهناك مؤلفات كاملة في وصف كمال التكوين الإنساني العضوي ودقته وإحكامه وتكامل أجهزته: الجهاز العظمي والجهاز الهضمي وباقي الأجهزة التي يتكون منها جسم الإنسان.