سبق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين ناتانياهو أن سمح بنشر صورة له وهو يقوم بتمزيق وثيقة تعديل حماس لميثاقها ويلقي بها في سلة المهملات, علامة علي موقفه الذي يري أن حماس تناور ولا تقدم تنازلات. علي المنوال نفسه وإن بطريقة أخري تعامل ناتانياهو مع الإعلان عن توقيع حماس وفتح اتفاق المصالحة في القاهرة علي أنه حدث يتم في كوكب آخر, حيث لم يعلق عليه بأي صورة من الصور. وعلي العكس من موقف ناتانياهو بادر بعض شركائه في الائتلاف الحاكم للإعلان عن رفضهم الاتفاق وعلي رأسهم نفتالي بينت زعيم حزب البيت اليهودي والذي يطالب بالعمل ضد الفلسطينيين من خلال القيام بخطوتين: الأولي هي قطع العلاقات بشكل تام مع السلطة الفلسطينية, أما الثانية فهي إلغاء كل الاتفاقات التي وقعت معها, ومن بينها بناء حي جديد في ضواحي رام الله وإقامة منطقة صناعية هناك. وقال بينيت في موضع آخر: نحن لا نتحدث عن مصالحة فلسطينية بل انضمام أبو مازن لمنظمة إرهابية إجرامية, وتحويل الأموال الإسرائيلية لحكومة حماس تشبه قيام إسرائيل بتمويل تنظيم داعش, وسنحصل علي الصواريخ فوق رؤوسنا مقابل هذه الأموال. ولأنه يعلم أن موقف حزبه لن يكون الحاسم في قرار الحكومة بالترحيب بالاتفاق أو رفضه, فقد وضع بينتب شروطا يعتقد أنها ضرورية لاعتبار المصالحة الفلسطينية أمرا إيجابيا بالنسبة لإسرائيل وعلي رأسها إعادة جثث الجنديين أورون وهدار المحتجزتين لدي حماس, واعتراف حماس باإسرائيل واوقف التحريض ووقف دفع السلطة الرواتب للأسري في السجون. سياسة لننتظر ونريب التي يطبقها ناتانياهو حيال المصالحة الفلسطينية تبدو منطقية, فمن جهه ابينتب اتفاقات مماثلة أنها قد لا تصمد طويلا بسبب أنها( أي المصالحات) لا تتناول المسائل الجوهرية مثل توحيد الأجنحة العسكرية لفتح وحماس ووضعها تحت سلطة وطنية واحدة, كما أن اتفاق المصالحة الأخير لم ينص علي ضرورة تسليم حماس لحكومة الوفاق المنتظر تشكيلها خرائط الإنفاق, وورش تصنيع السلاح مما يجعل من احتمال عودة المواجهات بين حماس وفتح قائمة في أي وقت. علي الجهة الأخري تدرك إسرائيل أن وقوفها علانية ضد المصالحة الفلسطينية, قد يكلفها صداما مع الولاياتالمتحدة ومصر المتحمستان لها( أي للمصالحة) بوصفها خطوة ضرورية لاستئناف مسيرة التسوية المعطلة منذ سنوات, وبالتالي لماذا تدفع إسرائيل ثمنا في سلعة( إفشال المصالحة) منتهية الصلاحية حتي من قبل البدء في تسويقها!!! لا يعني ذلك إن ناتايانياهو وائتلافه الحاكم يتمنيان نجاح المصالحة الفلسطينية, فثمة فارق بين تمني الحصول علي الشيء وبين الاستعداد لدفع ثمنه. إسرائيل تريد للمصالحة أن تفشل لأنها قد تضعها في حرج أمام الولاياتالمتحدة وأوروبا الراغبين في دفع مسيرة التسوية بين إسرائيل والفلسطينيين, ومن شأن نجاحها حتي شكليا, أن يزيل قوة الحجة التي استخدمتها تل أبيب بنجاح لسنوات مضت والتي ادعت فيها استعدادها للتفاوض ولكنها كانت تتساءل: ولكن نتفاوض مع من السلطة الفلسطينية في رام الله, أم حماس في غزة؟ لو تمت المصالحة لن يكون بوسع إسرائيل التنصل من الجلوس الي مائدة التفاوض, وفي حالة رفضها سيكون الثمن مزيدا من محاولات نزع الشرعية عنها دوليا, فضلا عن إجهاض أي فرصة لتحقيق اختراق كبير في ملف توسيع التطبيع بين إسرائيل والعالم العربي, في وقت أدت التحولات الحادة أقليميا إلي ظهور فرص قوية لتحقيق هذا الاختراق بشكل غير مسبوق. وعلي الجانب الآخر لو تمت المصالحة, ووافقت إسرائيل علي الدخول في المفاوضات مع حكومة وفاق فلسطينية, ثم فشلت هذه المفاوضات في التوصل إلي حلول, فقد يؤدي ذلك إلي تحول سريع في صفوف فتح للانضمام إلي خيار الصدام المسلح مع إسرائيل إلي جانب حماس والفصائل الفلسطينية الأخري, وبذلك تكون إسرائيل قد أسهمت في توحيد السلاح الفلسطيني وتوجيهه إلي عنقها بنفسها. أيضا لا يجب تجاهل حقيقة أن نجاح المصالحة الفلسطينية واضطرار الحكومة الإسرائيلية للتعامل معها مستقبلا سيرتب بالضرورة صدامات بين مكونات الائتلاف الذي يقوده ناتانياهو, وكما هو واضح من المواقف التي عبر عنها نفتالي بينت المشار إليها سابقا, ستضع أحزاب اليمين المتشدد اشتراطات قاسية علي ناتانياهو قبل القبول بالتعامل رسميا مع حكومة الوفاق الفلسطينية خاصة حال بدء إدارتها لملفات حساسة مثل التعاون الأمني مع إسرائيل, وملفات الأسري في السجون الإسرائيلية, وضبط الحدود, وإدخال الأفراد والبضائع إلي غزة... إلخ. لأجل ذلك كله تتمني إسرائيل فشل المصالحة الفلسطينية ولكن من دون أن تكون هي السبب في إفشالها علي الأقل علنيا أو فعليا.