أقصي ما تمكن الأمريكيون من فعله ردا علي مجزرة لاس فيجاس هو البكاء الحار وذرف الدموع والوقوف دقيقة حدادا علي أرواح الضحايا! أما مناقشة أصل المشكلة, وهي إتاحة السلاح لكل قادر علي دفع ثمنه, بغض النظر عن سلامة قواه العقلية, أو انتمائه لجماعة متطرفة, أو ميوله الإجرامية, فهذا ما لم ولن يتم, بدليل أن البيت الأبيض نفسه سارع بإعلان أنه من السابق لأوانه مناقشة تشديد قوانين حيازة السلاح, بعد ساعات معدودة علي وقوع الحادث الإرهابي, قبل أن يواري الضحايا الثري! بل إن سارة ساندرز المتحدثة باسمه أكدت أن الرئيس ترامب أوضح مرارا أنه من مؤيدي التعديل الدستوري الثاني والذي يؤكد الحق الأساسي للمواطن الأمريكي في حيازة أسلحة نارية. شخص واحد في الرابعة والستين من عمره يدعي ستيفن كريج بادوك قتل وحده59 شخصا, وأصاب529 آخرين, من دون أي أسباب واضحة ثم انتحر, وحتي لو توفرت لديه الأسباب, فمن منحه حق إزهاق هذا العدد الهائل من الأبرياء؟ لا الشعب الأمريكي ولا غيره من شعوب الأرض يستحق الموت بهذه الطريقة العبثية, وبهذه الصورة الجماعية, وخلال حفل غنائي خرج الناس إليه للترفيه وليس للموت. ثلاث سنوات مرت علي الولاياتالمتحدةالأمريكية ابتداء من2014 وحتي الآن, فقدت خلالها آلاف الضحايا جراء عمليات القتل الجماعي يفوق عددهم ما فقدته في حروب كبري واعتداءات غير مبررة علي دول عربية وإسلامية تحت ذرائع مكافحة الإرهاب, بينما الإرهاب كامن داخلها كوحش أسطوري كاسر لا أحد يجرؤ علي مواجهته. الحقيقة التي يتعامي عنها المسئولون الأمريكيون, ويخشي الكثير من المواطنين مناقشتها, في مسألة القتل الجماعي علي الهوي هي حيازة السلاح الآلي من دون أي ضوابط وبلا رقابة, تلك هي الآفة الكبري التي كانت وستظل وحشا يحصد أرواح الأبرياء بلا مناسبة في هذا البلد الكبير الذي تجاوز عدد سكانه320 مليون نسمة, فيما يملك أفراده ورجال الشرطة ما يزيد علي371 مليون سلاح! سيظل الأمريكيون يسددون هذا الثمن الفادح من أرواحهم, وسيظل الدم الأمريكي ينزف بغزارة, ولن يوقف هذا النزيف أي قوة أو قانون, طالما تمسكوا بحقهم في حيازة الأسلحة علي هذا النحو الفوضوي غير المنضبط. في عام2014 ارتكب ما يقدر ب15 ألف جريمة قتل في هذا البلد,70% منها نفذ بأسلحة نارية, ومن بين حوادث العنف الكثيرة التي اقترب عددها من الستة ملايين حادث, نحو600 ألف جريمة متنوعة ما بين اعتداءات وسرقة بالإكراه واغتصاب وقتل كان الجناة فيها يحملون أسلحة بشكل ظاهر للعيان, وارتكبها أشخاص معروفون للسلطات الشرطية والقضائية الأمريكية. يمكن القول إن الولاياتالمتحدة واحدة من أكثر الدول عنفا وفقا لعدد الحوادث التي وقعت بها, ويمكن القول أيضا إن وجود السلاح في أيدي الأمريكيين علي هذا النحو السهل والمتسيب وراء أغلب ما يقع بها من جرائم, الكثير منها ينتهي بالقتل وإزهاق الأرواح, إلي الدرجة التي اعتاد فيها الأمريكيون والعالم من حولهم تلقي أخبار مثل هذه الجرائم البشعة بدم بارد, ورغم أن حيازة السلاح قلت في السنوات الأخيرة عما كانت عليه من أربعة عقود, إلا أن الحقيقة المفزعة تؤكد أن31% من الأسر الأمريكية لديها أسلحة في منازلها, ولذا ليس غريبا أن يقع15 ألف قتيل في2014, و33 ألفا في2011, بمعدل ضحايا وصل إلي268 قتيلا في اليوم الواحد, أو عشرة قتلي من بين كل مائة ألف مواطن. ومثلما أفرط الأمريكيون في تصنيع السلاح وتصديره وتعمد التخطيط لإشعال الحروب فوق كل شبر علي الكرة الأرضية لضمان عدم انخفاض الطلب عليه وتسويقه لتحقيق أرباح هائلة من أجل الإنفاق علي رفاهية شعبها, ارتفع الطلب علي الأسلحة الفردية لديها إلي مستوي لم تشهده دولة غيرها حتي إنها تستهلك95% من إنتاجها في السوق المحلية. وذكرت بي بي سي عربي علي موقعها الالكتروني أن20% من مالكي السلاح في الولاياتالمتحدةالأمريكية يملكون65% من الأسلحة الفردي, بما يعني تركز السلاح في يد نسبة قليلة من المواطنين, هم من يدافعون بصرامة عن الحق في حيازة الأسلحة الفردية التي اكتوت البلاد بنارها عشرات المرات في حوادث بشعة, يندر أن تقع مثيلاتها في أي دولة أخري. علي أن أخطر ما يمكن حدوثه بعد مجزرة لاس فيجاس التي ارتكبها أمريكي أبيض, ليست له خلفيات إرهابية, إلصاق الاتهام بالمسلمين المقيمين في الولاياتالمتحدة من الحاصلين علي الجنسية الأمريكية, ومواجهتهم لموجات من الكراهية والعنف كتلك التي وقعت في أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر2011, خاصة بعد إصدار تنظيم الدولة بيانا اعترف فيه بمسئوليته عن الحادث, وبأن مرتكب المجزرة اعتنق الإسلام ونفذ جريمته لدوافع دينية, رغم نفي واشنطن أي فرضية عن أن يكون الهجوم الإرهابي له دوافع جهادية. ورغم إعلان مكتب التحقيقات الفيدرالي عدم عثوره علي أي رابط للهجوم بأي مجموعة إرهابية دولية, بحسب ما صرح العميل الخاص المكلف آرون راوز, إلا أنه من غير المستبعد استثمار المجزرة لتعزيز جهود الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتأجيج مشاعر الكراهية ضد المسلمين الذي قرر منعهم من دخول بلاده, اعتبارا من18 أكتوبر الجاري.