مليم صغير أصفر اللون كاد التراب يخفيه رأيته ملقي وأنا في طريقي قاصدا بقالة عم أمين الضوي لم أعره اهتماما ولم أنحن بالطبع لالتقاطه, استغرقت بضع دقائق لشراء ما احتجت. ساورني عند عودتي فضول ملح لرؤية ذلك المليم حين اقتربت من بقعته لم أجده لكني ري صبيين يتعاركان بدا ان اصغرهما قد عثر عليه لكن غريمه انتزعه منه عنوة ولم يكتف بسرقته بلضربه واشتط في ضربه بغلظه ثم طرحه أرضا وركبه وسدد الي وجهه عدة لكمات دامية. أحاطت برقبة المعتد يد اعتصرتها فتلوي من فرط الألم. أم المنهزم آتته مسرعة لتخلص فلذة كبدها من جبروته, كادت تجهز عليه لولا مجئ أمه أبلغوها بما حدث لأبنها فأسرعت كالمجنونة تذود عنه واشتبكت معها في معركة شرسة, وفي زنقة سدرب شكمبة شرقي جنينة قاميش, حيث تدور تلك المركة قلما تصفو جوانح أهلها من غضب أهوج يشتعل ويتلظي لأوهي الأسباب وأبسطها وايضا يندر ان تغرب عليهم شمس أحد أيامها دون عنف تراق علي حده دماء أعناق تذبح! وكعادتهم التي ورثوها عن أجداد غلاظ لارقة عندهم وكذا آباء لارحمة لديهم.. تراهم يجتمعون دائما عند حدوث المعارك التي لاتنقطع لأسباب أغلبها شرور أفاعي نسائهم وبعضها تنافس رجالهم علي تاج الفتونة فمن يضعه علي رأسه يصبح ملكا يدين له الجميع بالسمع والطاعة.. تارة تجدهم يتصايحون كقردة صاخبة قد انقسموا الي معسكرين كل يشجع فتوته وتارة أخري تراهم يسخرون ضاحكين من مهزوم خاسر قد نكل به فويله مما يحيق به من جرسة حين يزف من أدني جنينة قاميش الي أقصاها وربما تتجاوز زفته ميدان أبو الريش حيث يترك هناك كالمجذوم وحده فلا يتجاسر أن يعود الي بيته يوما! وانهزمت بالطبع أسوأهما حظا وسرعان ما انتقل الخبر الي زوجها المعلم قدري السنجق كعدوي وباء سبقتها اشاعة تضخمت بألسنة الأبالسة فصارت فتنة تنذر بالويل والثبور حضر كالبرق وفي ركابه رهط من رجاله شاكي السلاح قد استعدوا لخوض معركة حياة أو موت, أمسك بيد من فولاذ شعر المرأة التي تطحن زوجته تحتها وأوسعها ضربا وركلا فكاد يقتلها ولم تمض بالطبع سوي دقائق معدودات حتي طير النبا ودقت طبول الحرب فتكاثر الاتباع وعلي رأسهم زوجها المعلم بلتاجي أبووردة الآتي كزوبعة غضبي تنذر بشر مستطير, تبادل الخصمان نظرات نارية واستعد الأنصار كل في معسكره لمعركة حتما ستجتاج الدرب نارها الموقدة ومعظها من مستصغر شرر يندلع فتنطلق عاتية تحرق الأخضر واليابس ولا تدع شيئا لاتأكله! لم يدم هدوء ماقبل العاصفة طويلا فقد انطلقت رصاصة مدوية فتفجرت بانطلاقها زوابع الغضب في صدور الرجال واختلط الحابل بالنابل وبدأ الطعان بالسيوف وانهالت الهراوات فوق الرءوس تحطمها وفرقعت عدة رصاصات قاتلة وتعالت صرخات الجرحي واختلطت بولولة النسوة في نوافذهن استمر القتال واحتدم وترامت الي الاسماع همهمة وحشرجة وأصوات غاضبة تشتم ووقع أقدام تهرول ثم ضحكات هستيرية تنم عن فرحة وحشية وصوت أجش يصرخ قائلا: الجبناء آثروا الانسحاب وفروا كالكلاب! انداحت المعركة وأعلن علي الملأ مقتل أبووردة شر قتلة بينما وقف الناجون من رجال السنجق شامخي الرءوس يلهثون وهم يمسحون نصال سيوفهم مما علق بها من دم لم يبرد وقد أحاطوا بقائدهم المظفر الذي علت شفتيه ابتسامة راضية والدم ينثال من جرح غائر في وجنته. غادرت مخبئي فزعا لا أصدق ماحدث, سرت حثيثا عبر أرض المعركة إبغي العودة الي داري متعجبا من شراسة هؤلاء الرجال الذي تطاحنوا بسبب مليم صغير! يا الله.. ماالذي أراه؟! المليم التعس انغرس في بقعة دم متجلطة! مددت أصابعي والتقطته مرتجفا حدقت فيه مليا محدثا إياه: لو كنت قد انحنيت لك والتقطتك وقتذاك ماحدثت تلك المجزرة البشعة التي خلفت ستة قتلي وتسعة جرحي! تمطيت ورميته بعيدا وانصرفت مسرعا لكن هاجسا مخيفا استوقفني فتراجعت مذعورا الي حيث رميته.. وضعته في جيبي موقرا إياه أليس ممكنا ان يتعارك عليه طفلان آخران فتحدث مجزرة أشد وأنكي؟!