الصدمة غالبا ما تغرقنا في الصمت, مثلها مثل ارتطام الرأس بشيء صلب, والصدمات السياسية لا تختلف كثيرا عن الصدمات الاجتماعية, فكلاهما يرتبط بشعور وجداني لشخص أو لمكان أو أشياء حبها وارتبط بها وحلم معها, ونتائج الصدمات قد تكون مقبولة حين تأتي قدرية بغير مشيئتنا ولكن حينما تتحول الصدمات إلي منهج علاج مثل الصدمات الكهربائية يجب توخي الحذر في استخدامها وفي جرعتها فربما لا يتحمل المريض هذا النوع من العلاج. وإن كان مرضنا المستعصي عن العلاج هو حب هذا الوطن فلم يشفع لنا كل هذا الحب من السير علي صراط الإصلاح الاقتصادي ونحن نحمل علي أكتافنا أسرة وأطفالا علينا أن نقنعهم بالصبر والصيام لاجتيازه وللعبور الآمن لمصر الجديدة. وتقارير صندوق النقد الدولي وغيره ممن يشيدون بنتائج هذه الصدمات المتتالية وهم يرقبون بإعجاب ودهشة سيرنا علي هذا الصراط من نافذة طائرتهم التي تحلق فوق رءوسنا ويزعجنا أزيزها غير مبالين بمن يسقط, فالعدد يتجاوز المائة مليون نسمة, ونسبة السقوط من المنطقي أن تتناسب مع هذا الخضم من البشر الذي لم يدرب أو يؤهل نفسيا ولا ثقافيا ولا سلوكيا لهذا التحول الصادم في كل مجريات حياته. والحلم بولادة مصر الجديدة كان وسيظل أمل ثمرة زواج ثوراتها بها, بينما تمتد من هنا وهناك ألف يد لإجهاض هذا المولود أو خروجه إلي النور مشوها, فالأغلب يعمل وفق رؤيته الخاصة وأجندته الشخصية أو الحزبية وعلي الجانب الآخر من يشكك أن هذا الحمل كاذب وأن ثورات الوطن العربي عقيمة ل اتنجب إلا خواء والجماعة والأهل والعشيرة لا يرون إلا أن هذا الحمل سفاحا وعليهم أن يقتلوها بأي سلاح متاح, ويتخلصوا من عار مصر العاهرة التي لفظت زوجها الشرعي وارتمت في أحضان الجنرالات, ومصر بين هذا وذاك وهؤلاء تعاني آلام المخاض في ظل ظروف قاسية تتضح كل يوم من معدلات مرتفعة لجرائم غبية وغريبة ومن سرقات واختلاسات وإهدار مال عام في كل المؤسسات ومن غش تجاري امتد يده من أغذية الأطفال حتي إنتاج الدواء, وحتي تكتمل المنظومة لن تفلت من جشع التجار. التحديات غير مسبوقة علي مدار تاريخ مصر والعبء كبير علي أن تتحمله مؤسسة بمفردها مهما كانت إمكانياتها دون مشاركة شعبية جادة وإحساس بالمسئولية ولن تكون هناك هذه المشاركة دون إحداث شراكة بين أحلام الناس ومتطلباتهم وبين واجباتهم وحقوقهم وفقا للعقد الذي يربطنا والذي التزمنا به من جانبنا بتفويض معلن مفتوح وغير مشروط. وعلي مؤسسة الرئاسة أن تنتبه إلي خطورة هذا الطرق المستمر علي رءوس الناس, فمفاصل الدولة مازالت في أيدي من لا يريدون لنا أو لها استقرارا وهم من يدثرون لكم الحقائق المزعجة بغطاء حلو الألوان, فهم رجال كل العصور; عاش الملك مات الملك, هو لهم أسلوب حياة. وليس من قبيل المزاح أن التفاؤل بالغد هو أحد أهم متطلبات الناس الذين لا يكادون يفرحون بإنجاز حتي يأتيهم هادم اللذات بخبر أو قرار يوصد أمامهم أي باب للفرح أو الافتخار وأصبح لا شيء يهم ولا شيء أهم من إيجاد لقمة العيش وأصبح هناك إحساس عام بالذعر مما ستحمله لهم طلقة الغد ممن بيدهم الضغط علي الزناد فمعظم النيران صديقة, من يقذفنا بها يتلقي معنا العزاء.