من المستفيد من محاولة إشعال حريق كبير بالمنطقة تحت اسم استقلال إقليم كردستان عن العراق؟ ربما تكشف إجابة هذا السؤال الدافع وراء إصرار أربيل علي إجراء الاستفتاء المثير لجدل ومعارضة وتحفظ المجتمع الدولي, ولغضب وحذر ومعارضة وأيضا رفض العراقوإيرانوتركيا في الوقت نفسه, رغم اختلاف أجندة كل دولة منها عن الأخري اختلافا جذريا. ولعل الأعلام الكردية والإسرائيلية التي رفعها سكان الإقليم الذين لا يزيد عددهم علي العشرة ملايين نسمة تأييدا لاستفتاء تقرير المصير تكشف بمنتهي الوضوح المستفيد الأكبر من تقسيم العراق, تحت مسمي الاستقلال, وهذا ما أكده الموقف الإسرائيلي الداعم لمسعي أكراد العراق المحكوم عليه بالفشل للاستفتاء رغم التصويت لمصلحه بأغلبية كبيرة غير معترف بها دوليا. مسعود برزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتولي رئاسة الإقليم ويسعي بكل قوة لفرض سياسة الأمر الواقع بتنفيذ الاستفتاء ليس علي العراق وحده, ولكن علي كل دول الجوار الرافضة لمحاولاته المستميتة لفصل إقليم كردستان عن العراق تصور أن دحر تنظيم داعش الإرهابي في بلاد الرافدين يمثل الفرصة والتوقيت المناسبين لإعلان دولته الخاصة, وتغيير وجه العراق والشرق الأوسط. تبدو فكرة الاستقلال براقة ومغرية لأي أقلية عرقية أو دينية أو مذهبية, لا سيما إذا كان الساعون إليها يمتلكون الحق في مسعاهم فضلا عن المقومات السكانية والثقافية واللغوية المتمايزة التي تشعرهم بالاختلاف عن محيطهم السكاني, وجغرافية متماسكة كالتي يملكها أكراد العراق تشير إلي إمكانية بناء دولتهم بصرف النظر عن الحريق الذي بات يهدد وجودهم واستقرارهم واستقلالهم النسبي بسبب سعيهم للانفصال في ضوء ما يتمتعون به من حكم ذاتي منذ سنوات, وينذر بعواقب وخيمة وصدامات دموية بينهم وبين أطراف متعددة مجمعة علي إجهاض فكرتهم هي تركياوإيران علي وجه الخصوص إضافة إلي الحكومة العراقية في بغداد. ويجرنا افتراض رضوخ المجتمع الدولي لمحاولات الإقليم الانفصالية وهو افتراض نظري ربما يستحيل تطبيقه إلي طرح أسئلة أخري تتعلق بشكل الدولة التي يحلم الأكراد بتأسيسها, ومستقبل هذه الدولة. فمن جهة الموقع الذي يوجد به إقليم كردستان بحدوده الحالية, نكون أمام دولة مغلقة, ليس لها حدود بحرية تسمح لها بالتواصل مع الخارج لأغراض التبادل التجاري وحركة التصدير والاستيراد لتدبير الاحتياجات الأساسية للشعب علي أي صورة, إلا بعقد اتفاقات دولية مع دول الجوار التي تحيطها من كل الجهات, وهي إيران علي الحدود الشرقية, وتركيا في الشمال وسوريا غربا, والعراق جنوبا, وهو أمر يصعب تصوره, ما يعني أن بذور الفشل ستكون مرافقة للكيان الوليد من لحظة ميلاده وستكبر معه. أن الكيان الجديد المحتمل لن يحظي باستقرار سياسي, لأن حالة الإجماع علي الرغبة في الانفصال بين سكان الإقليم لن تدوم طويلا بعد الاستقلال المفترض وتأسيس دولة جديدة, وسرعان ما سيعود الصراع السياسي وربما العسكري بين قطبي السياسة الكردية الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود برزاني, الذي يعتبر نفسه الحاكم الشرعي للإقليم بعد تغلبه علي منافسه التقليدي الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة جلال طالباني في الحرب الأهلية التي نشبت بينهما بين عامي1994 1998, مثل هذا الصراع سيفتح الباب علي مصراعيه لكل الممارسات الاستبدادية من جانب برزاني, ما يؤدي حتما إلي غياب الأمن والاستقرار, ويعرقل الدولة عن النهوض بمسئولياتها الأساسية فيما يتعلق بأمور التعليم والصحة والدفاع وغيرها, بعدما تتركز كل السلطات في يد واحد وجماعته المهيمنة بالفعل, ويمكن تصور ما سيترتب علي ذلك من فوضي داخلية تضاف إلي العداءات الخارجية المعلنة من قبل تأسيس الدولة. والانقسام السياسي المتوقع سيتبعه انقسام عسكري بالضرورة بين قوات البشمركة التي تتصرف الآن ككيان واحد, بينما هي في حقيقة الأمر منقسمة الولاء بين الحزبين الرئيسين, الأمر الذي سيفرز حالة من الاستقطاب العنيف بين الطرفين تنعكس حتما علي مجمل الأوضاع في الدولة المحتملة, إضافة إلي أن لكل رئيس حزب منهما حرسه الخاص وقواته الأمنية المنفصلة التي تدين له بالولاء, وقد وقعت صدامات عديدة بينهما في السابق لا يستبعد تجددها, ما يعني أن المستقبل مشحون بالصراعات الداخلية التي قد تعصف بالكيان كله, وتزيد من حالة التشظي بين مكوناته. في ظل هذه الأوضاع المتردية لن يتسني للدولة المفترضة الدفاع عن حدودها ضد الأخطار الخارجية المتوقعة من جانب دول الجوار الرافضة تماما لاستقلال إقليم كردستان, مع الأخذ في الاعتبار أن قوات البشمركة حتي لو لم تتعرض للانقسام فيما بينها فهي غير مؤهلة لمواجهة عسكرية خارجية من جانب إيران أو تركيا أو سوريا التي تفوقها بمراحل من حيث التدريب والتسليح والتمويل. ومن الناحية الاقتصادية, يعاني الإقليم أزمة حقيقية, فديونه الحالية تزيد علي العشرين مليار دولار, وفقا لتصريحات وزير الموارد المعدنية في حكومة الإقليم أشتي هورامي, والإقليم الذي يعتمد بصفة أساسية في تدبير موارده علي بيع البترول قد يجد صعوبة كبيرة في تصديره في حال انفصاله, إذ لن تسمح له دول الجوار بمروره عبر أراضيها. فإذا كان هذا هو حال الإقليم قبل الانفصال عن العراق, فكيف سيكون بعده؟ ربما لا تكون كل هذه الاعتبارات غائبة عن حكماء أكراد العراق ممن ليس في استطاعتهم تقرير مصير الإقليم, إلا أن هناك من يدفع بالزعيم الكردي مسعود البرزاني ويدفع بشعبه في اتجاه تحقيق حلم الدولة الكردية والزعامة الزائفة التي لن تصل به ولا بشعبه إلا إلي سلسلة من الصراعات الدموية الداخلية والخارجية بما يغير بالفعل من خريطة العراق والمنطقة في الاتجاه المعاكس.