خلق الله العقل لنفهم ونفكر ونحلل ونستنتج العلاقات فنبصر فنسعي ونطور ونبتكر ونسعد. ورغم ذلك, ليس كل من يملك عقلا سعيدا, فهناك من يعيش شقيا قلقا بسبب تفكيره اللاعقلاني. إن افتقاد التفكير للمنطق يجعل الإنسان أكثر عرضة للتعاسة والإصابة بالاضطرابات النفسية, وقد وضع عالم النفس ألبرت أليس إحدي عشرة فكرة تندرج تحت التفكير اللا عقلاني. علي سبيل المثال: الاعتقاد إنه من الضروري أن يكون الشخص محبوبا أو مقبولا من الجميع هو أمر غير منطقي بل مستحيل لأن الله خلق الشيء ونقيضه, كالجنة والنار والخير والشر. إذن اختلافنا علي شخصا ما, هو من مظاهر الحياة الصحية وانتظارك أن تكون محبوبا من الجميع خلل عقلي. كذلك توقع أن يكون الشخص القيادي أو المسئول علي درجة عالية من الكفاءة والمثالية والإنجاز طوال الوقت دون غلطة من الأمور الصعب تحقيقها. لأن الإنسان بطبعه متناقض ومتغير وخطاء, فكيف نطلب منه أن يكون كفئا وموفقا في كل خطواته دون شائبة؟ ولماذا نحزن حين تأتي السفن بما لا تشتهيه الأنفس ونكتئب حين تسير الأمور عكس ما نتمني؟ ولماذا نري عدم التوفيق في أحد الأمور من مصائب الحياة, وأن البيئة المحيطة والظروف الاقتصادية والمجتمع هما السبب الوحيد وراء فشلنا وإحباطنا؟. إن العوامل الخارجية لا تدمرنا بذاتها, ولكن تأثر الإنسان بها والوقوف عندها واعتباره بمثابة سد منيع تجعله يقف مكانه دون تقدم, تماما كالصخرة التي ترتطم بها الأمواج فلا هي تتحرك ولا تترك المياه تسير في مجراها الطبيعي. إذا التفكير اللا عقلاني بداية كل مشاكلنا وسبب رئيس للاضطرابات, ذلك لأن مايدور بعقولنا وتفكيرنا يؤثر علي مشاعرنا وانفعالاتنا ومن ثم يوجه سلوكنا. فإذا كانت أفكارنا خاطئة تعتمد علي المبالغة, وسوء الظن وتعظيم الأمور أدي ذلك إلي تفاقم المشاكل داخلنا وانفجارها في صورة انفعالات مضطربة, وبالتالي سلوكيات سلبية ومدمرة تجاه الأشياء وحياتنا. ويتصف الشخص اللا عقلاني بإنكار الواقع, وتزييف الحقائق, وغالبا ما تكون أحكامه مبنية علي الوهم والخيال, وسوء الظن مثل بعض الشخصيات المنتمية للشعب المصري, والتي تسعي بكل ما لديها من بلاغة في العدوان والعنف اللفظي لشق الصف وهدم الوطن من خلال أكاذيب وتحليلات نسجت من خيال نفس مريضة حيث لا وثائق ولا مستندات بل مجرد تكهنات وتضخيم للأحداث. ونتيجة تكرار المشاعر السلبية يتحول سلوكهم إما للعدوان والسخط والهدم أو الهروب والعزلة من المجتمع مع شعور بالإحباط والاكتئاب وفي كل الأحوال نجدهم يعانون من اضطرابات انفعالية تجعلهم في حالة عدم استقرار. هذا الصراع غير المبرر يجعل هؤلاء الافراد في حالة خوف دائم من الحاضر والمستقبل لذا نجدهم في صراعات مع المجتمع ككل كنتيجة طبيعية للضيق والتمرد والسخط اللا عقلاني. فالعاقل هو من يحاول أن يجد حلولا متنوعة قابلة للتنفيذ, ثم يختار أفضلها مع الأخذ في الاعتبار أنه لا يوجد حل كامل بشكل مطلق, فالكمال لله وحده.