سبب الصدمة التي أحدثتها مذكرات عمرو موسي أنها خرجت لكي تقدم مجموعة من حواديت يحكيها لأصدقائه في احدي الحفلات الدبلوماسية يتندر بها وهو في الثمانين من عمره علي عمر مضي قضاه في دهاليز دبلوماسية لا تصنع سياسة خارجية وإنما تتمحور وظيفتها في نقل رسائل من الرئيس إلي زعماء الدول الأجنبية.. وتمثيل بلاده في المحافل الدولية والعربية. وحين يعتاد المرء علي قراءة مذكرات السياسيين والأدباء العرب والأجانب يكتشف حجم الخفة التي كتبت بها هذه المذكرات والتي يقع الخطأ الأكبر في نشرها علي دار النشر التي لا تتبع المعايير الدولية في مراجعة وتدقيق و تحرير الكتب الجديدة كما هو متبع في دور النشر العالمية, وصناعة نشر الكتب في مصر يتم التعامل معها بطريقة مختلفة إذ أعتاد المؤلفون علي دفع تكلفة نشر كتبهم وفي النهاية يتخلص الناشر من صداع مراجعة وتدقيق الكتاب وتكليف فريق عمل من كبار المتخصصين في المجال لأبداء الرأي قبل الدفع بالكتاب إلي المطابع ويتضح ذلك من الكتاب عند قراءته من تكليف صحفي ناشئ بتحرير الكتاب بل وكتابة مقدمة له ولن أذهب بعيدا في المقارنة فأمامي مذكرات هيلاري كلينتون باللغة الإنجليزية خيارات صعبة والتي تحكي فيها عن جانب من رحلتها في السياسة, تجد تدقيقا كاملا بالوقائع بالتواريخ مكتوبة بأسلوب شيق يدفعك إلي محاولة معرفة ما كان يدور في كواليس السياسة الأمريكية في سباقها الأول ثم الثاني نحو البيت الأبيض في محاولة للعودة اليه مرة أخري. أمامي أيضا ما كتب عن الدكتور أسامة الباز بعد رحيله أسامة الباز.. مسيرة حياة بتوقيع السفير هاني خلاف وبمقدمة كتبها الدكتور مصطفي الفقي والتي تلقي الضوء علي أحد الفاعلين الرئيسيين في السياسة المصرية والاقليمية عقب عودته من هارفارد.. وهي مسيرة حياة حافلة لمثقف وسياسي ودبلوماسي كبير حاول عمرو موسي أن يتندر عليه في مذكراته التي يدعي فيها أن الرئيس السادات لم يختره وزيرا للخارجية بسبب طريقة لبسه وكأن إنفاق أموال الدولة المصرية علي البدلات الفاخرة وربطات العنق والسيجار هي التي تصنع السياسة الخارجية رغم اعترافه وفق مذكراته أن أسامة الباز يستطيع أن يقدم نفسه باعتباره الخبير الأول في السياسة الخارجية لأنور السادات والمتحدث باسم الرئيس فيما يخص الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية وأيضا إعترافه بأن السادات استفاد بشكل كبير جدا من الباز لأنه سار معه إلي نهاية المشوار في كامب ديفيد بعد إستقالة محمد إبراهيم كامل. روايته عن الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي فيها عدم تدقيق الباحث وعدم الاعتماد علي الحقائق هو يقول: فور تعييني وزيرا للخارجية سري همس قاده الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي مؤداه أن عمرو موسي القادم من نيويورك ما هو الا مبعوث أمريكاني لمصر معتقدا ربما- هنا هل يجوز لوزير خارجية سابق أن يكتب معتقدا ربما حول وقائع مر عليها عقود- أن نيويورك هي عاصمة الولاياتالمتحدةالأمريكية هي إذن طريقة منهجية لدي عمرو موسي للتندر علي الأخرين وإطلاق النكات عليهم كأنه في سهرة مع الأصدقاء وهو نوع من الكتابة لا يصمد مع الزمن للأسف. في سياق اخر يتحدث بمرارة عن أن العقيد القذافي لم يمنحه ساعة يد كما فعل مع كبار المسئولين المصريين وهي طريقة أعتاد عليها كثير من المسئولين والصحفيين سنوات طويلة بالحصول علي عطايا وهدايا من دول النفط العربية ويعتبرونها حقا في حين يندهشونا حين ترفض دبلوماسية أمريكية خلال زيارة للقاهرة ساعة مرصعة بالمجوهرات تقدر بثروة لأن القانون الأمريكي لا يسمح بقبول هدايا يتجاوز سعرها50 دولارا أمريكيا. انتظرت أن أقرأ عدة فصول حول من يصنع السياسة الخارجية في مصر لكنه للأسف مر عليها مرور الكرام بدون الولوج إلي التفاصيل وإن كان قد أشار إلي أن الرئيس لا يستطيع أن يعمل بدون جهاز ضخم وقوي لتنفيذ السياسة الخارجية.. لم يتحدث عن الدور الهامشي لوزير الخارجية في صنع السياسة الخارجية باعتبار ذلك حقا أصيلا لمؤسسة الرئاسة وعلي الدبلوماسي أن يسعي لحمل الرسائل بدون حتي محاولة الاجتهاد. حديثه في مذكراته عن أن أغنية شعبان عبد الرحيم كانت السبب في خروجه من الوزارة بخلاف وشايات رجال الدولة الكبار يتجاهل مكوثه في الخارجية عشر سنوات كاملة وهو ما لم يحدث الا في الأمير سعود الفيصل مثلا وهذه حالة مختلفة. مذكرات عمرو موسي, حين أضعها بجوار مذكرات إدوارد سعيد المثقف الفلسطيني الكبير الراحل وأستاذ الأدب المقارن في جامعة كولومبيا خارج المكان أو مذكرات الدكتور سمير أمين أو مذكرات الدكتور محمد حسين هيكل مذكرات في السياسة المصرية بأجزائها الثلاثة, أو مذكرات جلال أمين ماذا علمتني الحياة سيرة ذاتية, أرثي لحال الرجل الذي يسعي لأن يبقي تحت الأضواء مهما كان الثمن.