شاركت مصر في جميع دورات الجمعية العامة للأمم المتحدة السنوية وتمكن رؤساء مصر بفضل حنكتهم وخبرتهم السياسية من التأثير علي صناعة القرارات في العالم وذلك من خلال خطاباتهم الرنانة والتي هزت التاريخ علي حد تعبير كثير من المؤرخين. وشارك حتي الآن خمسة رؤساء مصريين في دورات الجمعية أولهم كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ووصولا إلي الرئيس عبد الفتاح السيسي الذي ألقي خطابا العام الماضي وصفه المحللون بأنه تقشعر له الأبدان نظرا للتفاعل الذي شهدته أروقة الجمعية العامة مع الرئيس السيسي في مشهد لم تره الجمعية من قبل. فبعد أن أنهي خطابه الذي أكد فيه أن مصر تمضي في طريق الإصلاح وأنه لا بد من نشر السلام وحقن دماء السوريين ومكافحة الإرهاب بكل صوره وأشكاله ختم خطابه بجملة تحيا مصر التي رددها معه كثير من الوفود العربية المشاركة فضلا عن التصفيق الحاد الذي ملأ الجلسة. ومنذ اكثر من67 عاما ألقي الزعيم الراحل جمال عبد الناصر خطابا أمام الجمعية في دورتها ال37 ووقف بكل شموخ ليؤكد أنه ممثل لمصر وشعبها وقائد يتحدث باسم كل الشعوب العربية والإفريقية, في وقت أكد فيه المؤرخون أنه أعاد هيبة مصر أمام رؤساء وملوك العالم. وشدد في خطابه علي ضرورة إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية كما يشهد له أنه توسط للصين لقبول عضويتها. وبعدها بسنوات قليلة وقف الرئيس الراحل محمد أنور السادات شامخا في نفس الموقع ليلقي خطاب النصر وكان ذلك بعد نصر أكتوبر بعامين أي في عام1975; حيث أكد السادات وقتها بنبرة يملأها الانتصار أن إسرائيل دولة متعنتة وعاجزة عن قبول تحدي السلام, وطالب بضرورة حل القضية الفلسطينية لأنه يعتز بغزة ويعتبرها ليست أقل إعزازا من أي بقعة في أرضه. كما استطاع الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك أن يجعل لمصر دورا فعالا ورائدا في أروقة الجمعية العامة لأنه دائما ما كان يطالب بضرورة نزع السلاح النووي من الشرق الأوسط وهو ما لاقي ترحيبا من كثير من الدول العربية والغربية التي أيدت الفكرة بل وتبني العالم مبادرته وهو ما أكده وزير خارجيته وقتها أحمد أبو الغيط والذي أكد أن مبادرة مبارك التي قدمها وطالب فيها بنزع السلاح النووي لاقت ترحيبا دوليا كبيرا. ويمكننا التأكيد أيضا أن القضية الفلسطينية كانت محور اهتمام الرؤساء المصريين الخمس, والذين طالبوا بضرورة إقامة دولة فلسطينية واستعادة كل حقوق الشعب الفلسطيني الضائعة. فمن جانبه أكد رئيس الجميعة العامة بيتر طومسون للدورة السابقة71 أن مصر قامت بعمل رائع للأمم المتحدة, سواء في مهام حفظ السلام; حيث إنها من أكبر عشر دول مساهمة بقوات لحفظ السلام في العالم, أو عملها في مجلس الأمن بعد أن فازت بعضوية غير دائمة, وفي مجلس حقوق الإنسان, وكذلك في الجمعية العامة. وجاءت المبادرة التي قادتها مصر بمشاركة الدول العشر الرئيسية المساهمة بقوات في عمليات حفظ السلام بصياغة القرار وطرحه علي الجمعية العامة لاعتماده. وعلي مر السنين يتزايد الدور المصري الرائد في الأممالمتحدة. أما بخصوص رئاسة وفود عربية للجمعية العامة فقد استطاع عدد من الدول أن يفرض وجوده ويظفر بالمنصب, حيث تمكن الدبلوماسي اللبناني شارل مالك في عام1958 من ترأس الجمعية لمدة عامين حتي سلمها للتونسي المنجي سليم في عام1961 والذي سلمها بدوره إلي الباكستاني محمد ظفرالله خان. كما ترأس الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقه الجمعية في عام1974 ومن بعده عصمت كتاني العراقي في عام1981, كما تولي سمير الشهابي من السعودية المنصب أيضا في عام1991 وحتي عام.2005 كانت للسعودية أيضا مواقف لا تنسي طوال السنوات الماضية, فقد رفضت السعودية إلقاء كلمتها في عام2013 في الجمعية تعبيرا عن اعتراضها عن عجز الأممالمتحدة في حل القضايا التي تعرض عليها خاصة القضية الفلسطينية التي عجزت عن حلها طوال60 عاما بل ولم تتدخل لوقف المجازر التي تشهدها سوريا وهو ما دفع كثير من الدول الي التحرك لمحاولة حلحلة الأزمة ولكن للأسف دون جدوي. كما رفضت السعودية عضوية مجلس الأمن غير الدائمة بسبب ازدواجية المعايير وعدم قيام المجلس بواجباته في تحقيق السلم والأمن الدوليين. أما عن الكويت فقد استطاعت أن تكون عضوا فعالا في الجمعية, إذ دعمت وبقوة جهود الأممالمتحدة سواء ماليا من خلال دعمها للعراق ومساندته في تحقيق الاستقرار أو عمليا من خلال لعبها دورا بارزا في إقامة شراكات عالمية من أجل التنمية ونقل الخبرات وتطوير المؤسسات, كما تعد عضوا فعالا في اللجان المختصة والوكالات التابعة للأمم المتحدة ومنها منظمة الصحة العالمية ومنظمة العمل الدولية واتحاد البريد العالمي ومنظمة الطيران المدني وغيرها. ولم ننس غصن الزيتون الذي حمله الزعيم الراحل ياسر عرفات في عام1974, متحدثا للمرة الأولي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك, قائلا: أتيت إلي هنا حاملا غصن الزيتون بيد, وبندقية المقاتل من أجل الحرية في الأخري, فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي, ومنحت منظمة التحرير الفلسطينية صفة مراقب في المنظمة الدولية علي أثر خطابه الذي سيظل من أقوي الخطابات وأكثرها تأثيرا علي صناع القرار.