الفساد هو الفاحشة الكبري..في ظله لا تنهض أمة.. وهو مرض معد يجب استئصاله وبتره ولا يجوز السكوت عليه لأننا لا نريد أن يكون بيننا مريض بهذا الوباء الذي يصيب الدولة ككل ويمرضها.. وكم هو مؤسف أن نعترف بأننا نحن من يصنع الفساد تماما كما نصنع آلات القتل والدمار فالرب- كما يقول فيكتور هوجو- لم يخلق سوي الماء, لكن الانسان صنع الخمر..كما صنع الفحش والفساد والطغيان وأشياء عديدة أخري فاسدة.. لكن من بين جميع أنواع الطغيان, يتميز الطغيان الذي يمارس من أجل مصلحة ضحاياه بأنه الأشد قمعا, هكذا يصف الأمر الكاتب والناقد الأيرلندي سي. إس. لويسويري أنه ربما من الأفضل أن تعيش في نظام لأباطرة الفساد علي أن تعيش تحت حكم السلطة المطلقة لمدعي الفضيلة الذين يتدخلون فيما لا يعنيهم.. فالظلم الذي يمارسه أباطرة الفساد قد يخمد أحيانا, وقد يصل جشعهم إلي مرحلة الإشباع, لكن الذين يقمعوننا من أجل مصلحتنا كما يدعون, سيستمرون في قمعهم إلي ما لا نهاية, لأنهم يفعلون ذلك بضمير مستريح. عندما اكتمل عدد ركاب قطار متجه من فرنسا إلي بريطانيا, تصادف أن رجلا انجليزيا جلس بجوار امرأة فرنسية يعلو ملامحها توتر باد فسألها عن السبب قالت إن بحقيبتها عشرة آلاف دولار فوق المصرح بحمله فطالبها بأن تتقاسم المبلغ معه حتي إذا ما قبضت الشرطة الفرنسية علي أحدهما يكون الآخر قد نجا بنصف المبلغ علي الأقل وسألها أن تكتب عنوانها ليعيد إليها مالها عند وصولهما لندن حال نجاتهما فاستجابت لطلبه وعند نقطة التفتيش وعقب مرورالسيدة منهادون عوائق صاح الانجليزي في ضابط التفتيش:سيدي أوقفوا هذه المرأة إن معها عشرة آلاف دولار أعطتني نصفها ونصفها الآخر بحوزتها وروي قصة اتفاقهما معا قائلا:محال أن أخون وطني لقد جاريتها لأثبت لكم مدي حبي لبريطانيا العظمي وبالفعل أعيد تفتيش المرأة ومصادرة ما معها ووقف الضابط مزهوا يتحدث عن الوطنية وأضرار التهريب والفساد علي الاقتصاد الوطني للبلاد ووجه عميق امتنانه لمواطنها الذي غادر دون تفتيش وعبر بالقطار إلي بريطانيا.. وبعد مرور يومين فوجئت المرأة بالرجل الإنجليزي يطرق بابها, ويمنحها خمسة عشر ألف دولارقائلا هذه أموالك مع المكافأة فتعجبت لتصرفه لكنه فاجأها بالقول: لاتندهشي فقط أردت إلهاء الشرطة عن المائتي ألف دولار التي بحوزتي وقد اضطررت إلي فعل ذلك لأنجو. وهكذا قد يكون من يدعي الوطنية والشرف وثبات الأخلاق هو عينه اللص الحقيقي فما أكثر أشباه الرجل الإنجليزي في أوطاننا.. وأذكر أني قبل أيام معدودة من القبض علي نائبة محافظ الإسكندرية وخمسة من رجال الأعمال إثر اتهامهم بتلقي هدايا ومبالغ علي سبيل الرشوة تجاوزت المليون جنيه كنت قد شاهدت لقاء مصورا يجمعها بعدد من رجال الأعمال بمكتبها وكادت تفر من عيني رغما عني دموعي وأنا أسمعها تحدثهم عن قيم المواطنة والولاء والانتماء لتراب مصر. لنكن إذن ثابتين علي الأخلاق في عسرنا ويسرناوقوتنا وضعفنا ومع صديقنا وعدونا والقريب منا والبعيد.. فهكذا سننجو.. وهكذا سنتقدم.. يقول أستاذنا الكبير مصطفي صادق الرافعي: لو أنني سئلت أن أجمل فلسفة الدين كلها في لفظين; لقلت إنها ثبات الأخلاق.. ولو سئل أكبر فلاسفة الدنيا أن يوجز علاج الإنسانية كله في حرفين, لما زاد علي القول إنه ثبات الأخلاق ولو اجتمع كل علماء أوروبا ليدرسوا المدنية الأوروبية ويحصروا ما يعوزها في كلمتين لقالوا ثبات الأخلاق فلا تتغير الأخلاق بتغير الأحوال والأوضاعوتلك سمة الشخصية المسلمة العظيمةالتي تفتقر لها المجتمعات اليوم.