غدت قصة الملك شهريار أسطورة حللها وانتقدها الأدباء والعلماء في شتي العلوم. فقد تحول شهريار بعد خيانة زوجته له إلي سفاح النساء من الناحية القانونية ومختل عقليا عليل النفس من الناحية الطبية. يتزوج كل يوم عذراء ليقتلها صباح عرسها قبل أن تخونه انتقاما لكرامته. وظل هكذا حتي عجز وزيره عن إيجاد عذراء تقبل الزواج منه; فقدمت ابنة الوزير نفسها لشهريار رغم معارضة والدها لخوفه عليها من غضب شهريار ولمحاولة إيقاف دموية الملك. ولأنها قارئة جيدة وذكية وضعت خطة علاجية مبنية علي سرد حكاية مثيرة لا تعرض نهايتها إلا في اليوم التالي لتثير شوقه وفضوله وتساؤلاته لمعرفة باقي الأحداث والنهاية. وهو ما جعل شهريار يضطر إلي تأجيل قتل شهرزاد لليوم التالي حتي يرضي فضوله في معرفة باقي القصة. وظلت هكذا في سرد قصص مترابطة لا تكتمل نهايتها إلا في اليوم التالي, وهو ما عمل علي تعلق الملك بها يوما بعد يوم وزادت معرفته وتعلم من خلال الحكايات كيف يحلل ويدرك الأشياء والمعاني; وكيف يفهم ذاته ومن حوله من خلال المواقف والأحداث حتي وقع أثير حبها وبعد ألف ليلة وليلة كان صعبا عليه أن يستغني عن غذاء نفسه العليلة; فترفع عن قتلها لتصبح زوجته وتفوز بقلبه وتعلقه بها واحتفلت المدينة ثلاث ليال لشفائه من اضطراب الانتقام ونجاة باقي فتيات المدينة من وحشيته. نعم; إنها القراءة بكل ألوانها المسموعة والمقروءة ذلك النشاط العقلي الذي يساعدنا علي فهم مايدور بذواتنا ومحيطنا. أنها القراءة التي تسد احتياجتنا النفسية وتكفينا شر من حولنا وتساعدنا علي حل مشاكلنا. إنها القراءة التي نسيناها وأهملناها قصدا وجهلا; لتصبح أمة اقرأ لا تقرأ وتصبح الأجيال لا تفهم عليلة النفس والروح والعقل بسبب غياب القراءة وتهميشها. أصبحنا نعاني من ضياع القيم وتدني الأخلاقيات وباتت إهانة الصغير للكبير حرية ومفخرة; وغياب القدوة والتباهي بالوقاحة وفضيحة الغير أو الوطن علامة من علامات التحضر وحقوق الإنسان. والسبب اعتلال النفس التي لم تحصل علي جرعات التغذية العلاجية والوقائية من القراءة بشتي أنواعها بشكل صحي وسليم. وهو الأمر الذي دفع الدول المتقدمة لاستخدام العلاج بالقراءة في المجالات التنموية والاجتماعية والمرضية وحل مشكلات الذات والشخصية من خلالها. وغدا التدخل التربوي الإيجابي يحتوي علي القضايا الاجتماعية والمشاكل السلوكية والنفسية وعلاجها من خلال القراءة حتي يتنفس الطالب هواء صحيا مشبعا بقيمة الذات والجماعة ويتحرر من المكبوتات والضغينة ويزداد استبصاره بما يدور حوله; وهنا لابد من معلم قادر علي الحوار الصحي واستخراج ما بداخل النفس من نواقص وعلل ليزدهر المجتمع وينمو. ذلك لأن القراءة ليست هواية أو اختيارا لأنها أساس البناء والتكوين النفسي والعقلي والمجتمعي. والسؤال: هل لدينا معلم لديه مهارة الإصلاح بالقراءة بمعني أثارة القدرة التحليلية والتركيبية والإبداعية لدي طلابنا وتنمية روح الانتماء الوطني والمجتمعي لديهم؟.