أنا شاب في التاسعة والعشرين من عمري بدأت قصتي في أعماق الصعيد حيث كنت أعيش, في عامي الأول الابتدائي أصبت في حادث بشع لا أحب أن أروي تفاصيله لكنه أثر علي حياتي بل غيرها بالكامل إذ إنني أنفقت السنوات التالية كلها في مستشفيات وعيادات وأجريت عمليات جراحية لم أعد أتذكر عددها. ورغم كل ذلك وما تبعه من قلق وخوف وفقدان ثقة في نفسي أصررت علي التفوق في دراستي وحصلت بما يشبه المعجزة علي بكالوريوس الهندسة وبدأت رحلة البحث عن عمل وعندما فقد الأمل في الحصول عليها في موطني نزحت إلي القاهرة وحيدا قبل الثورة بشهور قليلة وبالفعل التحقت بعمل لكن سرعان ما تغيرت الأحداث وتوقفت الأعمال كلها, وفي هذه الأثناء اضطررت للعملية الأخيرة وبترت ساقي التي حاربت سنوات للحفاظ عليها واستعضت عنها بطرف صناعي والحمد لله. وفي اللحظة التي استسلمت فيها ورفعت الراية البيضاء في مواجهة الحياة القاسية, استجابت السماء لدعواتي القديمة واستطاع أحد أصدقائي إلحاقي بوظيفة جيدة, وبعد عام ونصف العام جاءتني فرصة للعمل بالخارج دون أن أسعي إليها وها أنا الآن أعيش خارج مصر وقد بدأت مشكلاتي المادية تحل بالكامل. سيدتي: ستتساءلين ما هي مشكلتي إذن؟ وسأقول لك إن مشكلتي هي أنني لست سعيدا!! بل يداخلني حزن غريب لا ينتهي ولا أعرف له سببا, ولم أعد قادرا حتي علي الحلم بفتاة جميلة طيبة تشاركني وتقاسمني الحياة.. لا أجرؤ علي مجرد الحلم ولا أعرف لماذا لا أثق في نفسي رغم أنني لم أخفق في شيء في حياتي, فهل أنا مريض بالاكتئاب؟ وهل أحتاج إلي علاج نفسي رغم صعوبة توفره في المدينة التي أعيش بها؟ هل يمكنك طمأنتي؟ عزيزي الذي لم يصاحب جسده بعد لفتت نظري صلابتك وإصرارك علي أن تتبوأ مكانك في الحياة رغم كل الظروف فأهنئك علي مثابرتك ونجاحك في ركوب الأمواج العاتية التي مازلت تواجه تبعاتها التي تتمثل في حربك لاستعادة نفسك وروحك بعد سنوات المعاناة من الحادث وضيق أحوالك المادية, لكن يتراءي لي أنك لم تسنح لك فرصة لتتعرف علي نفسك وتصالحها بعد ما تكبدت من شديد الألم والحرمان, أخشي أن تكون محنتك قد ألهتك عن احتياجاتك النفسية والجسدية, والآن وقد استقرت أحوالك الاجتماعية والمادية أصبح هناك بارقة أمل في أن تصلح ما عطلتك عنه الظروف وتبدأ مشوارك مع نفسك ومع رجولتك المكبلة بجسدك الذي خلفته المعركة. سيدي الشاب الطموح الناجح دعني أسألك كيف تري نفسك؟ هل تحبها؟ تحترمها؟ هل تري الجمال فيما تبقي لك من هيئتك وجسدك؟ لقد نجحت في وضع أساس هرم كيانك النفسي من حيث الأمان المادي والعملي لكنك تصارع وحدك لإعادة بناء رؤيتك لذاتك ولجسدك المكلوم تداويه بعين حنونة يجب أن تري اكتمال وظائفه ولا تري عضوا مفقودا لا ينتقص شيئا من رجولة هذا الجسد المحارب الصلب. أدعوك لمشاهدة فيلم سينمائي استشهدت به في مؤتمر الجمعية العالمية للطب النفسي اسمهThesessions. وهو عن قصة حقيقية لشاعر أصيب بشلل رباعي في الطفولة لا يستطيع معه أن يتناول كوب ماء أو يذهب إلي المرحاض, ودون الخوض في نجاحات هذا الشخص مهنيا حتي إنه أصبح مدرسا في الجامعة بعد حصوله علي درجة الماجستير وهو قعيد الفراش, سأتطرق لرحلته لاكتشاف جسده وحصوله علي حقوقه العاطفية فقد استطاع بمساعدة طبيب أن يستعيد ثقته في نفسه وجسده حتي إن ثلاث فتيات جميلات وقعن في غرامه, إن قصة حياته مليئة بعاطفة أصيلة استطاع التعبير عنها بجسده ولسانه وقلبه تسألني يا صديقي إذا كنت تحتاج لمعالج, أظن أن ذلك بالتأكيد سيفيد وسيكون بداية طيبة خاصة إذا استعنت بالطبيب المعالج المناسب الذي يري مواطن رجولتك ويأخذ بيدك لتتمكن منها وتمارسها مع من سيدق لها قلبك ويفتح لها جسدك الأبواب, أما في حالة صعوبة تواصلك مع طبيب متخصص لأسباب متعلقة بالمكان الذي تعمل به, يمكنك استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لعقد جلسات مع معالج علي الإنترنت وفي جميع الأحوال عليك إحاطة نفسك بمن يدعمونك ويثقون في قدراتك ويؤمنون بحقك الأصيل في الحب والمشاركة وتبادل العطاء,