لا شك أن السياسة الخارجية المصرية تنظر إلي القارة الإفريقية من زاوية استراتيجية غابت خلال سنوات عديدة ماضية ولكنها عادت إلي الظهور من جديد خلال السنوات الثلاث الماضية وبالتحديد منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي مقاليد الحكم, حيث بدأ يولي أهمية خاصة لعودة مصر للقارة السمراء واستعادة ريادتها داخل أروقة أفريقيا من خلال استراتيجية واضحة المعالم تقوم علي بناء الثقة بين السياسة الخارجية المصرية وبين الدول الإفريقية في أقاليم القارة الخمسة. ولذا كانت زيارة الرئيس الأولي إلي احدي دول الشمال الإفريقي وهي الشقيقة الجزائر بمثابة رسالة قوية لجميع دول القارة بأن مصر عائدة وبقوة إلي وضعها الطبيعي بالقارة السمراء ثم جاءت مشاركة الرئيس السيسي القوية في القمم الإفريقية التي عقدت خلال السنوات الثلاث الماضية سواء في مقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية أديس أبابا أو في عواصم أفريقية أخري من بينها عاصمة رواندا مدينة كيجالي والتي زارها الرئيس ضمن جولته الإفريقية هذا الاسبوع والتي شملت أيضا تنزانيا والجابون وتشاد لتؤكد هذه الرسالة والتي تم تتويجها بانتخاب مصر بأغلبية ساحقة عضوا في مجلس السلم والأمن الإفريقي لمدة ثلاث سنوات بالتوازي مع انتخاب مصر كعضو غير دائم في مجلس الأمن. والمؤكد أن جولات الرئيس الإفريقية سوف تبني جسورا للثقة بين مصر وشقيقاتها من الدول الإفريقية علي كل المستويات وبصورة تؤدي إلي دعم وتعزيز التعاون بين الجانبين في مجالات عديدة ورفع مستوي التنسيق إلي المستوي الاستراتيجي خاصة فيما يتعلق بالتعاون السياسي والأمني في ملفات أفريقية ثنائية و متعددة الأطراف في مقدمتها ملف مكافحة الإرهاب التي تعاني منه الكثير من دول القارة في ظل وجود جماعة الشباب الصومالية الإرهابية في جنوب القارة وهو ما يهدد أمن الصومال وكينيا وإثيوبيا و أيضا وجود جماعة بوكوحرام الإرهابية بالغرب في نيجيريا والكاميرون ووجود تنظيم داعش في الشمال سواء في ليبيا أو مالي وهو ما يكشف جذور تلك التنظيمات وأهدافها التي تسعي لضرب الاستقرار والأمن في القارة وبالتالي توقف حركة التنمية بين الدول وطرد الاستثمارات الأجنبية الموجودة بها واستمرار حالة الفقر والجهل والفساد الموجود بعدد من الدول الإفريقية. وهنا لابد من القول إن المشاورات المهمة التي يجريها الرئيس السيسي مع نظرائه من الدول الإفريقية تصب في خانة دعم المصالح المشتركة بين مصر وتلك الدول سواء ما يرتبط منها بدول حوض النيل والتي تعتبر عمقا استراتيجيا لمصر خاصة وأن مفاوضات سد النهضة مع أثيوبيا والسودان تستحوذ علي اهتمام كبير من كافة فئات الشعب المصري وكانت ومازالت مثار اهتمام ومتابعة من الجميعفي ظل الكم الهائل من الأخبار والمعلومات التي يتم نشرها حول تلك القضية وإن كان الكثير منها لا يحمل بصمة الدقة والتي كانت دون شك مثار بحث خلال جولة الرئيس الإفريقية هذا الأسبوع في أفريقيا, حيث شملت رواندا وتنزانيا وتشاد وهي دول لها علاقات متشابكة مع دول حوض النيل الأخري وهو ما يبعث برسالة واضحة مفادها أن القاهرة مستمرة في دعم وتعزيز علاقاتها مع دول القارة علي كل المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية. وأعتقد أن القيادة السياسية تسير في الطريق الصحيح نحو القارة السمراء والتي تركناها لسنوات طويلة وقد لمست ذلك خلال زيارتي ومشاركتي في الكثير من الاجتماعات وورش العمل في العديد من العواصم الأفريقية سواء من قبل المسئولين أو الإعلاميين, حيث أكد الكثير منهم أهمية الدور المصري في دعم استقرار القارة و دعم أجندة التنمية الأفريقية2063 بما تمثله من ثقل علي كافة المستويات الإقليمية والدولية. .