الخطير في أحداث الفتنة العنصرية التي شهدتها ولاية فرجينيا الأمريكية السبت الماضي أن الصدامات العنصرية انتقلت من الأحداث الفردية إلي صدامات جماعية بين متظاهرين من الجانبين, وهو ما يشير إلي عمق الأزمة وتغلغلها داخل المجتمع الأمريكي, والقابلة للاشتعال والتمدد في أي وقت مع أي حادث صغير. فما شهدته مدينة شارلوتسيفيل كان بسبب رفع تمثال لأحد جنرالات قادة الجنوب المؤيد للعبودية في الحرب الأهلية الأمريكية من المدينة, فاحتج العنصريون علي إزالة التمثال, واندلعت مظاهرة تؤيد إزالة التمثال, لتنفجر الصدامات الدامية. عندما تجتمع الأزمات مع غياب الحل تحدث مثل هذه الصدامات داخل المجتمعات, ترتدي أحيانا ثوبا دينيا أو مذهبيا أو عنصريا, فالعامل الأمريكي لا يعرف كيف أن الرأسمالية الأمريكية فضلت استثمار أموالها في أمريكا الجنوبية أو شرق آسيا لتدفع أجورا أقل للعمال هناك لتربح أكثر, فتقل الوظائف وتنخفض الأجور, لكنه يري أن المهاجر الذي يسكن بالقرب منه قد حصل علي وظيفته بقبوله أجرا أقل, فتم الاستغناء عنه, ولهذا يشعر بالكراهية تجاه هؤلاء المهاجرين, خاصة في ظل أرضية خصبة للعنصرية, تمتد بجذورها إلي عصر اصطياد السود من إفريقيا وتحويلهم إلي عبيد, ولم تبرأ أمريكا من العنصرية بشكل كامل حتي مع الاعتراف بحقوق متساوية للسود في ستينيات القرن الماضي فقط. لا يريد العنصريون الجدد في أمريكا إعادة العبيد ليزرعوا الأرض, فقد حلت الماكينات الهائلة مكان العبيد, لكن يجري استعادة أسلحة وروح الماضي في محاولة للتغلب علي أزمات الحاضر في فترات التدهور, فيستعيدون تراث حركة كو كلوكس كلان العنصرية المتطرفة التي تأسست عام1866 التي عارضت تحرير العبيد, والنازية الألمانية والفاشية الإيطالية الرافضتين لنتائج الحرب العالمية الأولي وفرض شروط مذلة علي بلديهما, فالأزمة الأمريكية التي تعبر عنها العنصرية الجديدة في أمريكا ناجمة عن الأزمة الاقتصادية الأمريكية المستمرة منذ الثمانينيات, والآخذة في التفاقم, وعجز جورج بوش الابن عن محاولة تصديرها بالحرب في العراق وأفعانستان, ولم يفلح أوباما في الفوضي الخلاقة, وها هو ترامب يصرخ في وجه إيران, ويتوعد كوريا الشمالية بحرب مدمرة, ولا يد غير العقوبات الاقتصادية في مواجهة روسياوالصين, لكن تطور حرب العقوبات إلي حرب تجارية لن يكون في صالح الولاياتالمتحدة, لأن الأضرار سوف تنال منها, وهي منهكة بديون ثقيلة, وعجز مزمن في الميزان التجاري, وجيش ثقيل وضخم وكثير التكلفة, لكنه لا يربح حربا ولم يعد يخيف. هكذا لا تبدو أمريكا قادرة علي تحقيق انتصارات في الخارج تجعلها قادرة علي صياغة العلاقات الاقتصادية والسياسية لصالحها كما اعتادت, فأي حرب ستكون لها نتائج وخيمة علي مكانة الولاياتالمتحدة حتي لو خاضتها ضد إيران أو كوريا الشمالية وليس الصينوروسيا, ولهذا تفرط في التلويح بالقوة, وتحرص علي عدم الوصول إلي الصدام المسلح. لن تجرؤ أمريكا علي شن حرب مباشرة مع روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية أو إيران, وستعتمد علي أذرعها الإعلامية والمخابراتية في النيل من خصومها, ومحاولة الانفراد بصناعة القرار الدولي, لكن خصوم أمريكا لديهم الإرادة في إعادة تشكيل العالم المتعدد الأقطاب, ولن تردعهم التهديدات الأمريكية, وسترتد الأزمة إلي الداخل الأمريكي, لتسبب المزيد من التصدع والانقسام, لنشاهد الكثير من الحوادث العنصرية, حتي تتمكن الولاياتالمتحدة من إعادة تشكيل بنيتها السياسية, وظهور نخبة جديدة أكثر قدرة علي فهم الواقع الدولي الجديد, والتعامل معه دون غطرسة, والاعتراف بأن زمن الهيمنة الأمريكة قد انتهي.