تشهد مياه البحر الأبيض المتوسط في الآونة الأخيرة زخما عسكريا بفضل حرص قواتنا المسلحة المصرية علي الحفاظ علي أعلي مستويات الجاهزية عن طريق التدريبات العسكرية المختلفة التي تتم بينها وبين مختلف الدول ومنها تلك التدريبات التي دخلتها بالاشتراك مع القوات المسلحة الفرنسية التي حملت اسم كليوباترة, وهي التدريبات التي استخدمت فيها بعض من القطع الحربية الحديثة التي حرصت مصر علي اقتنائها مثل حاملة الطائرات الميسترال, وقد أثبتت تلك التدريبات مدي الوعي والعلم والقوة التي يتمتع بها المقاتل المصري. وهي بلا شك تصب في النهاية في مصلحة طرفي التدريب, حيث يتم تبادل الخبرات العسكرية سواء الدفاعية أو الهجومية, إضافة إلي أن مثل تلك التدريبات تدل علي مدي حرص تلك الدول علي تعميق العلاقات بينها وبين مصر, إيمانا من تلك الدول بأهمية الوجود المصري في المنطقة بشكل عام من جهة, واعترافا ضمنيا منها بأن الوجود العسكري المصري هو الأكثر اعتبارا وتفوقا وعقلانية في المنطقة من جهة أخري. هذا الاستدلال الذي لا يبعد بنا عن الواقع نجد له ما يؤكده, حيث حرصت اليونان مؤخرا علي اتمام تدريباتها العسكرية بمياه المتوسط بالاشتراك مع القوات المسلحة المصرية وهي التدريبات التي اشاد بها رئيس الاركان اليوناني, وفي هذا السياق فقد ذكرني ذلك التعاون العسكري بين مصر واليونان بتلك العلاقات التاريخية القديمة التي ربطت بين البلدين وهي العلاقات التي تعد المصادر التاريخية الكلاسيكية أكبر شاهد عليها وأهم حافظ لها, وفي هذا السياق نشير إلي هوميروس المنسوب إليه اهم وأقدم الملاحم في العالم القديم وهما ملحمتا الإلياذة والأوديسية, حيث نعرف من الأولي أن اليونانيين عرفوا مصر وحضارتها بشكل واضح, كذلك أهتم الرحالة اليوناني هيرودوت بزيارة مصر والاقامة فيها والتعرف علي حضارتها وسجل لنا في الفصل الثاني من كتابه التحقيقات كل ما يتعلق بالحياة المصرية القديمة كما رأها بعينه أو كما سمع عنها من الرواة, وهنا وعلي الرغم من أسهم النقد التي نوجهها كباحثين لكثير مما دونه هيرودوت في هذا الصدد, إلا أن الأمانة العلمية تقتضي منا الاعتراف بفضله في الوقوف بنا علي الكثير من المعلومات التي تخص الحضارة المصرية القديمة سواء علي الصعيد السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو العقائدي. وقد سجل هيرودوت إعجابه بالكثير من معالم الحضارة المصرية القديمة للدرجة التي دفعته للمقارنة بينها وبين معالم الحضارة اليونانية التي ينتمي إليها. ولم يكن هيرودوت الملقب بأبو التاريخ هو المصدر الادبي الوحيد الذي أكد العلاقات التاريخية الحضارية بين البلدين بل نجد ذات التأكيد يرد علي لسان واحد من اهم فلاسفة اليونان قديما وصاحب المحاورات الشهيرة ألا وهو أفلاطون حيث ندرك من محاورتيه القوانين والكبياديس كيف تأثر الفكر الديني اليوناني القديم بنظيره المصري, حيث تمثل ذلك في ظهور عبادة الإله المصري آمون في اليونان القديمة, وأقيم لها معبدا في أثينا, كما كان عرافوه هناك يتمتعون بمكانة ممتازة تساووا فيها مع مكانة عرافي نبوءات يونانية أخري اصيلة كنبوءة دلفي ودودونا, وندرك ايضا مدي تأثير الحضارة المصرية القديمة علي نظيرتها اليونانية في مجال معرفة تشريع القوانين المنظمة للمجتمع واسلوب تطبيقها وصولا للعدالة المنشودة, وفي هذا الصدد اشتهر الكلب( انوبيس) بوصفه أحد الآلهة المصرية التي ترمز للعدالة والحساب وهو الرمز الذي أقسم به أفلاطون في اكثر من مناسبة في محاوراته. أستاذ مساعد التاريخ القديم بآداب الإسكندرية