محافظ الغربية يتابع أعمال توريد القمح بشونة محلة أبو علي    بدء التوقيت الصيفي فى مصر 2024 .. تغيير الساعة الليلة    «بحوث الصحراء» يكشف مشروعا عملاقا في سيناء لزراعة نصف مليون فدان    نائب محافظ البحيرة: تركيب إنترلوك بمنطقة السنوسي بحوش عيسى بتكلفة 2 مليون و 400 ألف جنيه    وزارة التخطيط تشارك في المنتدى الأفريقي للتنمية المستدامة بأديس أبابا    مسؤول أمريكي: بيان مرتقب من واشنطن و17 دولة أخرى لإطلاق سراح المحتجزين بغزة    الرئيس الفلسطيني يؤكد لنظيره الفنلندي ضرورة الإسراع في وقف إطلاق النار بغزة    ممثلة الرئيس الأوكراني في القرم: نكافح لاستعادة أراضينا    فائز ببطولة الفروسية للناشئين على هامش «البطولة العسكرية»: منبهر ب«نادي العاصمة»    فينيسيوس يقود قائمة ريال مدريد لمواجهة سوسيداد بالدوري الإسباني    رئيس اتحاد الجودو: الدولة المصرية لا تدخر جهدًا لدعم الرياضة    انتقاما من أسرتها.. مصرع فتاة حرقا بسبب خلافات الجيرة بالفيوم    خطوات تحميل امتحانات دراسات الصف الثالث الإعدادي الترم الثاني pdf.. «التعليم» توضح    ريهام عبد الغفور عن تكريم المسرح القومي لاسم والداها: سيرتك حلوة وأثرك طيب    أول تعليق من منى زكي بعد فوز فيلمها «رحلة 404» في مهرجان أسوان    لقاء عن التراث الشعبي واستمرار ورش ملتقى فتيات «أهل مصر» بمطروح    احتفالا بذكرى تحريرها.. المطرب مينا عطا يطرح كليب "سيناء"    دعاء يوم الجمعة.. ساعة استجابة تنال فيها رضا الله    تاريخ موعد عيد الأضحى في مصر فلكيًا مدفوعة الأجر للموظفين 2024    "حزب الله" يستهدف جنودا إسرائيليين في محيط موقع الضهيرة    مدرب الترجي: سنعمل على تعطيل القوة لدى صن داونز.. وهدفنا الوصول لنهائي إفريقيا    رئيس جامعة قناة السويس يُعلن انطلاق أكبر حملة تشجير بجميع الكليات    رئيس بيلاروس يحذر من كارثة نووية حال تواصل الضغوط الغربية على روسيا    تفاصيل الاجتماع المشترك بين "الصحفيين" و"المهن التمثيلية" ونواب بشأن أزمة تغطية جنازات المشاهير    بلغ من العمر عتياً.. مسن ينهى حياة زوجته بعصا خشبية بقرية البياضية بالمنيا    تفاصيل اجتماع المجلس الأعلى للمستشفيات الجامعية برئاسة وزير التعليم العالي    دعاء الاستخارة بدون صلاة .. يجوز للمرأة الحائض في هذه الحالات    حسام المندوه يعقد جلسة مع جوميز في مطار القاهرة | تفاصيل    حبس شاب لاستعراضه القوة وإطلاق أعيرة نارية بشبرا الخيمة    مصر تنافس على ذهبيتين وبرونزيتين في أول أيام بطولة أفريقيا للجودو    بشرى للسيدات.. استحداث وثيقة تأمين على الطلاق يتحمل الزوج رسومها كاملة    بلجيكا: استدعاء السفير الإسرائيلي لإدانة قصف المناطق السكنية في غزة    الأردن يدين سماح الشرطة الإسرائيلية للمستوطنين باقتحام الأقصى    ضمن الموجة ال22.. إزالة 5 حالات بناء مخالف في الإسكندرية    رد فعل غير متوقع من منة تيسير إذا تبدل ابنها مع أسرة آخرى.. فيديو    التحقيق مع المتهم بالتحرش بابنته جنسيا في حدائق أكتوبر    إصابة سيدة وأبنائها في حادث انقلاب سيارة ملاكي بالدقهلية    تحرير 498 مخالفة مرورية لردع قائدي السيارات والمركبات بالغربية    علماء يحذرون: الاحتباس الحراري السبب في انتشار مرضي الملاريا وحمى الضنك    كيفية الوقاية من ضربة الشمس في فصل الصيف    وزارة العمل تنظم فعاليات «سلامتك تهمنا» بمنشآت السويس    محافظ كفر الشيخ يتابع أعمال تطوير منظومة الإنارة العامة في الرياض وبلطيم    خبيرة فلك: مواليد اليوم 25 إبريل رمز للصمود    محافظ الأقصر يهنئ الرئيس السيسى بعيد تحرير سيناء    هشام الحلبي: إرادة المصريين لم تنكسر بعد حرب 67    محافظ شمال سيناء: كل المرافق في رفح الجديدة مجانًا وغير مضافة على تكلفة الوحدة السكنية    أمين الفتوى لزوجة: اطلقى لو زوجك لم يبطل مخدرات    7 مشروبات تساعد على التخلص من آلام القولون العصبي.. بينها الشمر والكمون    «التعليم» تستعرض تجربة تطوير التعليم بالمؤتمر الإقليمي للإنتاج المعرفي    موعد مباراة الزمالك وشبيبة أمل سكيكدة الجزائري في نصف نهائي كأس الكؤوس لليد    فن التهنئة: استقبال شم النسيم 2024 بعبارات تمزج بين الفرح والتواصل    عادل الغضبان يهنئ أبناء محافظة بورسعيد بالذكرى ال 42 لعيد تحرير سيناء    افتتاح وتشغيل 21 سرير عناية جديد بمستشفي الكرنك في الأقصر تزامنا ذكرى تحرير سيناء    خبير في الشؤون الأمريكية: واشنطن غاضبة من تأييد طلاب الجامعات للقضية الفلسطينية    الاحتفال بأعياد تحرير سيناء.. نهضة في قطاع التعليم بجنوب سيناء    هل يجوز قضاء صلاة الفجر مع الظهر؟.. «الإفتاء» تحسم الجدل    ملخص أخبار الرياضة اليوم.. إيقاف قيد الزمالك وبقاء تشافي مع برشلونة وحلم ليفربول يتبخر    الزكاة على أموال وثائق التأمين.. الإفتاء توضح أحكامها ومتى تجب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء صلاح خيري يروي ل الأهرام المسائي حكايات أبطال قهرتهم النكسة
نشر في الأهرام المسائي يوم 04 - 06 - 2011

رغم مرارة تذكرها الا أنها مازالت تحتفظ بالكثير من الأسرار‏,‏ واذا كنا جميعا علي ثقة تامة أن الجيش المصري في‏1967‏ لم يخض حربا أو مواجهة فعلية مع جيش العدو الإسرائيلي.
فإن دفتر النكسة به صفحات تستحق التوقف أمامها‏.‏
الأهرام المسائي التقي اللواء صلاح خيري أحد قادة قوات الصاعقة علي الجبهة الأردنية عام‏1967‏ في حوار أكد خلاله أن الملك حسين ملك الأردن‏,‏ زار الرئيس جمال عبدالناصر يوم‏2‏ يونيو‏1967‏ ووقعا اتفاقية الدفاع العربي المشترك والتي ترتب عليها تحرك قوات الصاعقة المصرية من منطقة خشم الطارف إلي الجبهة الأردنية‏.‏
وقال اللواء صلاح خيري أن قواته ذهبت لتنفيذ إحدي العمليات بالأراضي المحتلة‏,‏ وفقا للأماكن التي حددها القادة‏,‏ ولكنها وجدتها مناطق جرداء لا توجد بها أي قوات إسرائيلية‏,‏ مؤكدا أن القرارات الخاطئة للقيادة السياسية‏,‏ والعسكرية المصرية هي السبب الرئيسي للنكسة‏.‏
وحكي اللواء صلاح كيف ظل وأفراد قواته أياما دون طعام أو شراب أو اتصالات حتي نجح في العودة إلي الأردن بمساعدة من بدو سيناء‏.‏
وإلي تفاصيل الحوار‏:‏
‏*‏ من أين تبدأ الحكاية؟
‏**‏ دعيني أبدأ من يوم‏14‏ مايو‏1967‏ عندما أعلنت القوات المسلحة المصرية التعبئة العامة للقوات ورفع درجة استعداد كافة أفرعها‏,‏ وتحركت قوة من الصاعقة الي سيناء لتتمركز في منطقة خشم الطارف علي الحدود المصرية الفلسطينية شمال طابا أمام صحراء النقب وقامت بأعمال الاستطلاع للأهداف المحددة لها داخل فلسطين المحتلة وذلك ابتداء من‏16‏ مايو وحتي‏3‏ يونيو‏.1967‏
‏*‏ صف لنا حالة الجيش المصري وقتها؟
‏**‏ الذي لا يعرفه الكثيرون أن حوالي أكثر من نصف القوات المسلحة المصرية كاملة الأفراد والمعدات والأسلحة كانت تقاتل في اليمن وأن ما تبقي من القوات كانت نسبة استكمالها‏40%‏ موجودة بمصرومن ثم فالبديهي أن القوات المسلحة المصرية في يونيو‏1967‏ كانت غير مستعدة علي الاطلاق لقتال العدو‏.‏
‏*‏ ماذا بعد اعلان التعبئة العامة للجيش؟
‏**‏ يوم‏2‏ يونيو‏67‏ رصدت قوات الصاعقة قيام العدو الاسرائيلي بحشد قواته علي الجبهة المصرية وقيامه باغلاق الوديان والممرات المؤدية للجبهة المصرية مع زيادة حجم أعمال الاستطلاع المعادية الجوية والبرية بكثافة عالية‏,‏ وفي نفس اليوم جاء الملك حسين ملك الأردن‏-‏ في زيارة مفاجئة الي القاهرة واجتمع بالرئيس جمال عبد الناصر ووقع علي اتفاقية الدفاع العربي المشترك بين مصر والأردن وبناء عليه صدرت الأوامر بانتقال قوات الصاعقة المتمركزة بمنطقة خشم الطارف الي الجبهة الأردنية لتنفيذ المهام القتالية المكلفة بها ضمن خطة العمليات الحربية‏.‏
‏*‏ متي وصلت قوة الصاعقة للأردن؟ وكم كان عدد أفرادها؟
‏**3‏ يونيو‏67‏ قامت طائرات النقل المصرية بعملية نقل جوي لقوة الصاعقة المصرية من مطار المليز بسيناء الي مطار عمان بالأردن وكان الملك حسين في استقبالنا وصافح قيادة القوة وضباطها فردا فردا‏,‏ وكانت عدد أفراد القوة‏600‏ فرد بقيادة المقدم جلال الهريدي والمقدمين فتحي عباس وأحمد حلمي وأحمد عبدالله ونبيل الزفتاوي‏,‏ والرائد حسين مختار والنقباء صلاح خيري وحسن العجيزي وعادل يوسف وسامي المصري وراشد أبو العيون وآخرين من الضباط وضباط الصف والجنود الفدائيين الأبطال‏,‏ وعقب تناول العشاء في ضيافة الملك حسين قمنا بالاستعداد للتحرك للقواعد الأمامية علي الجبهة الأردنية‏.‏
‏*‏ صف لنا مشهدي التحرك والاستعداد للمهمة؟
‏**‏ ليلة‏4/3‏ يونيو‏67‏ قامت سيارات نقل الأفراد الأردنية بنقل القوة المصرية التي انقسمت مجموعتين كل منهما بها‏300‏ فرد الأولي اتجهت الي رام الله وكنت بها‏,‏ والثانية الي جنين وسط أجواء وهتافات وحماس الشعب الأردني لادراكهم بأن القوات المصرية جاءت لتتعاون مع القوات الأردنية الشقيقة من أجل قضية فلسطين وقضية العرب جميعا‏,‏ ثم قضينا يوم‏4‏ يونيو في تجهيز الأسلحة والذخائر والمعدات الناسفة والخرائط وتحديد الأهداف والقيام باستطلاع للأرض المعادية وطبيعتها‏,‏ وفي فجر‏5‏ يونيو‏67‏ انتظمنا في حلقات التدريبات الرياضية وسط تجمع وزغاريد أهالي ونساء رام الله وما أن جاء الصباح حتي جاء بعض السكان مهرولين ويصيحون أنهم سمعوا بالاذاعة أن المعركة قد بدأت علي الجبهة المصرية وسوريا والأردن‏.‏
‏*‏ كيف استقبلتم الخبر؟ وماذا عن تنفيذ العملية؟
‏**‏ زادنا حماسا بأن ننتقم من العدو لكننا لم نكن نعلم الموقف في مصر فالخبر كان أن المعركة بدأت وفقط ولم نكن نعلم أي شيء‏,‏ عدنا الي المعسكر سريعا بعدما سمعنا الخبر وارتدينا ملابس القتال وقمنا بتجهيز قواتنا والتأكد من الاستعداد القتالي وفي تمام العاشرة من يوم‏5‏ يونيو وصل قائد الصاعقة المصرية وأصدر لنا الأوامر وحدد موعد تنفيذ العملية ليلة‏6/5‏ يونيو وكانت الأهداف هي تدمير القواعد الجوية الاسرائيلية والميس مكان تواجد واقامة الطيارين الاسرائيليين داخل فلسطين المحتلة‏,‏ والتحرك كان بواسطة عدد من الأدلاء الفلسطينيين فلا يمكننا التحرك في تلك المناطق بدون دليل يرشدنا عن أماكن الثغرات‏,‏ وفي ظهر‏5‏ يونيو تحركنا مع الأدلاء من الهضبة الي الحد الأمامي للجبهة الأردنية في منطقة اللطرون ثم جاء المساء وبدأنا في التسلل بعد فتح ثغرة بحقول الألغام ومضت الساعات ثقيلة ونحن نسير خلف الأدلة بين المستعمرات وسط الأعشاب الشوكية العالية التي كانت تعوق تقدمنا بسبب التصاق الأشواك بأجسادنا‏.‏
‏*‏ ألم تواجهكم عقبات أثناء السير بين المستعمرات؟
‏**‏ يضحك ثم يقول‏:‏ في منتصف ليلة تنفيذ العملية كنا قد قطعنا حوالي‏12‏ كم داخل الأرض المحتلة ومن المفترض أن الأهداف تقع عند تلك النقطة فلما لم نجد شيئا استدعينا الأدلاء وأخبرونا أنهم تاهوا لأنهم لم يأتوا لتلك المنطقة منذ سنوات طوال وهنا اتخذ الرائد حسين مختار قائد المجموعة‏-‏ مع قادة المجموعات الفرعية قرارا بالاجماع بتأجيل المهمة لصباح اليوم التالي وأن تستسلم المجموعة لراحة اجبارية حتي يتمكنوا من أداء مهمتهم في اليوم التالي بعد تحديد مكان الهدف بدقة لأننا كنا مجهدين للغاية‏,‏ وفجأة نسمع أصوات مجنزرات اسرائيلية قريبة منا وتفتح النيران عشوائيا داخل منطقة تجمعنا وحولها ثم تتوقف النيران ويتحرك قائد المجموعة ليتفقد أفراد المجموعة ويطلب من قادة المجموعات الفرعية الثلاث وكنت واحدا منهم‏-‏ كنا‏100‏ فرد‏-‏ اعطاءه تماما بالموقف ويمضي معظم الليل وجاء الفجر ولم يعد قائد المجموعة ويعود صوت المجنزرات من جديد مع اطلاق النيران العشوائية‏.‏
‏*‏ وكيف تصرفتم؟
‏**‏ هنا توليت أنا القيادة كأقدم قائد في المجموعات الفرعية وقررت تغيير أوضاع المجموعة بأن تتحرك من منطقة الوادي الموجودين به الي بطن هيئة عالية لتأمين المجموعة واخفائها قبل طلوع النهار لتنفيذ الاستطلاع للهدف صباح اليوم التالي كما قررت تحرك القوات وبقاء جزء كبير منها خلف الهيئة لتأمين تحرك باقي المجموعة‏,‏ وفي فجر‏6‏ يونيو يعود صوت المجنزرات ويقترب صوب الجزء الأخير من المجموعة وفجأة يصيح قائد السيارة الجيب الاسرائيلي باللغة العربية‏(‏ اثبت يا‏......)‏ ويقوم بفتح النيران لتفتيش المنطقة‏,‏ ولتأمين المجموعة اصدرت الأوامر بالاشتباك وفتح النيران وفي لحظة واحدة يصوب ما يقرب من‏100‏ ضابط وصف وجندي من مجموعتنا أسلحتهم في مواجهة عربات ومجنزرات العدو‏.‏
‏*‏ ماذا حدث أثناء الاشتباك ؟
‏**‏ انطلقت صواريخ الأربيجي‏7‏ والقنابل المضادة للدبابات والرشاشات وتحطمت واشتعلت علي الفور العربة الجيب وسيارتان مجنزرتان و ثلاث دبابات وقفز منها الضباط والجنود الاسرائيليون وحصدنا ارواحهم وبدأ العدو في التقهقر واكتشفنا ان القوة التي اشتبكنا معها ما هي الا مقدمة لواء مدرع اسرائيلي متجه الي الجبهة الاردنية لمهاجمتها‏,‏ ثم بدأ العدو بقصف المجموعة بنيران المدفعية بكثافة عالية وبستائر نيران متتالية لتمشيط المنطقة بالكامل بهدف القضاء علي جميع الأفراد المتواجدين في العراء بالمنطقة وبعد انتهاء القصف المدفعي بدأ القذف الجوي الاسرائيلي بطائرات الهليكوبتر المصفحة لتفتيش المنطقة بالرشاشات‏,‏ وبعد انتهاء القذف الجوي ولعدم وضوح الرؤية للعدو تم قصف المنطقة بالنابالم للكشف والتأكد من نتائج القصف المدفعي والجوي‏.‏
‏*‏ كيف تعاملت المجموعة وسط هذه الأجواء؟
‏**‏ كانت معركة انتقامية وتكبدنا خسائر جسيمة في الارواح والاسلحة لوجودنا في العراء وعدم وجود اي سواتر أو خنادق نحتمي بها وكانت النتيجة أنه استشهد‏85‏ فردا من مجموعتنا و لم يتبق من‏100‏ فرد سوي‏14‏ فقط واتخذنا اوضاعنا خلف التبة لتأمين القوات المرتدة‏,‏ وبعد ظهر يوم‏6‏ يونيو بدأت باقي مجموعتنا بالتحرك باتجاه مجري مائي يمر خلف مستعمرة اسرائيلية وحوله نباتات كثيفة ونزلنا بأرجلنا في الماء ولم يتبق خارج سطح الماء سوي رؤوسنا ولم يتمكن العدو من اكتشافنا ومكثنا في اماكننا طوال ليلة‏7/6‏ يونيو وفي‏7‏ يونيو استكملنا طعامنا بأكل بعض الحشائش الخضراء بعد الجوع والتعب‏,‏ ثم قمت بصحبة فردين من المجموعة باغارة صامته علي نقطة مراقبة للعدو وقتل الجنود المتواجدين بها والاستيلاء علي أسلحتهم وطعامهم‏.‏
‏*‏ ماذا عن الأهداف التي خرجتم من أجل تدميرها ؟
‏**‏ وصلنا للهدف المحدد فوجدنا المكان خاليا من البشر وهذا يعكس خطأ السياسة والعسكرية المصرية آنذاك حيث أنه في الحروب لا يستقر العدو في مكانه وانما يقاتل من أماكن بديلة‏,‏ وفي‏8‏ يونيو واصلنا المسيرة من الغرب للشرق مهتدين بالنجم القطبي حتي وصلنا الي وادي فسيح واقتربنا من أحد البدو الذي ارتعد لمنظرنا ظنا منه أننا اسرائيليون وعندما عرف هويتنا وضع رأسه بين يديه وجلس يبكي وقال لنا‏:‏ الحرب انتهت يا شباب‏..‏ لقد احتلوا الضفة الغربية بالكامل أمس وهم الان مسيطرون علي كل الطرق والمحاور المؤدية لنهر الاردن‏,‏ وقتها ادركنا أن الهزيمة لحقت بمصر وسوريا أيضا‏.‏
‏*‏ كيف عدتم الي الاردن؟
‏**‏ سألت البدوي عن موقعنا الحالي والاتجاهات المؤدية لنهر الاردن بعيدا عن الطرق والمحاور الرئيسية وقام البدوي برسم خريطة علي الارض بعصاه توضح لنا خط السير الآمن وذكر لنا اسم القري والمدن الفلسطينية التي سنمر عليها وهي‏:‏خربة اللحم وقال مروا بها ثم زبين وقال لا تدخلوها ثم بيت دكو فاقصدوها لأن مختارها عمدة القرية‏-‏ مشهود له بالوطنية والشجاعة والكرم‏,‏ ثم تصعدون جبل يهوذا ومنها اليالنبع ثم اريحا ثم غور الأردن ومنها الي نهر الاردن وبعد عبوره تصلون الي مدينة السلط الاردنية‏,‏ وبالفعل بدأنا المسير وفقا لكلام الرجل بدءا من مساء‏8‏ يونيو والجميل في الامرأن يوم‏9‏ يونيو عاد قائد مجموعتنا الاصلي الرائد حسين مختار الذي فقدناه داخل فلسطين ليلة‏6/5‏ يونيو وكنا وقتها في خربة اللحم وجدناه مترنحا خائر القوي غير قادر علي الكلام‏.‏
‏*‏ كيف تبينتم من وقوع الهزيمة بسيناء؟ وكيف استقبلتم الحقيقة؟
‏**‏ استمعنا لاذاعة صوت العرب فوجدنا نداء الي جلال وحلمي من قادة المجموعة الأصلية‏-‏ أن عودوا الي قواعدكم وأن تلك الرسالة تتكرر يوميا منذ‏5‏ يونيو بعد وقوع الهزيمة علي الجبهات الثلاث وسمعنا أيضا عن وصول القوات الاسرائيلية الي قناة السويس وافتتاح ميناء ايلات واعلان عبد الناصر عن مسئوليته عن الهزيمة وتنيحه عن منصبه وأخبار عن عزل المشير عبد الحكيم عامر وكل خبر نسمعه ينزل علينا كالصاعقة‏,‏ وعلمنا أنه تم ضرب سيناء ومدن القناة ومن قبلها جميع القواعد الجوية في أنحاء الجمهورية في‏6‏ ساعات مستغلين وجود طائرة المشير عبد الحكيم عامر في الجو وكان يمنع الضرب الجوي أثناء تحليق طائرته وعلمنا أيضا بالهجوم علي جبل الشيخ ومرتفعات الجولان بسوريا ثم ضرب رام الله بالأردن‏,‏ وبكينا جميعا دمعا ساخنا حزينا وانخفضت معنوياتنا فما كان مني الا أن صرخت في المجموعة بالنهوض والانتباه وعدم الاستسلام وفجأة يستجيب الجميع لا اراديا لأوامري ونقف صفا في ثكنة عسكرية ورددت فيهم أنه لابد أن نتغلب علي مشاعرنا وأن نعود لوطننا مرفوعي الرأس بروح معنوية عالية لأن معركتنا القادمة في مصر‏.‏
‏*‏ ماذا واجهتم أثناء رحلة العودة؟
‏**‏بالطبع خاف بعض الأهالي من استضافتنا خوفا من بطش العدو الذي جاء ليبحث عنا في كل مكان ورحب بنا الآخرون خاصة مختار بيت دكو الفلسطينية الذي أحسن ضيافتنا وأسكننا في مغارة كانت تعقد بها الندوات السياسية ليل نهار حول النكسة وأسبابها وهنا حملني المختار رسالة وشدد علي أن أبلغها حرفيا الي الرئيس جمال عبد الناصر والفريق محمد فوزي مفادها أن تكون هذه آخر الحروب فقط يجب اعداد جيوش عربية قوية تدافع عن حدودها لمنع اسرائيل من تنفيذ مخططها الصهيوني من النيل الي الفرات‏-‏ ومطلوب من القادة العرب دعم المقاومة الفلسطينية سياسيا في المحافل الدولية وماديا واداريا مع أهمية استمرار امدادنا بالأسلحة المتطورة والذخائر لامكان استمرار المقاومة الفلسطينية وبالفعل بلغت الرسالة عندما عدت الي مصر‏,‏ ثم واصلنا السير وفق خريطة البدوي حتي عبرنا بالفعل نهر الأردن وتحركنا باتجاه مدينة السلط وشاهدنا الدبابات العراقية مدمرة ومدافعها كحديد سائل علي الطريق واستقبلنا محافظ المدينة بالترحاب الشديد وكنا‏15‏ فردا من قوة الصاعقة المصرية التي عملت في هذا الاتجاه‏,‏ ويبقي أن تعرفوا أن القوة الكاملة التي اتجهت الي الأردن كانت‏600‏ ضابط وصف وجندي كما ذكرت سابقا استشهد معظمهم ولم يبق منهم سوي‏150‏ فردا كنا نحن ال‏15‏ منهم‏.‏
‏*‏ كيف عدتم الي مصر؟ وكيف وجدتم الموقف هناك؟
‏**‏ وجدنا القيادة المصرية موجودة برئاسة الأركان الأردنية وهم‏:‏ اللواء عبدالمنعم رياض والعميد طيار مصطفي شلبي الحناوي والعميد طيار علي بغدادي والمقدم منير شاش والمقدم كمال حجاب ورفضنا البقاء بالأردن وطلب قائد المجموعة من اللواء عبد المنعم رياض أن يلحق هو ومجموعته بزملائه الذين سبقوه الي ميناء بيروت بلبنان ليعودوا معا الي أرض الكنانة فوافق علي ذلك‏,‏ وعدنا الي مصر بعد سفر دام يوما كاملا‏,..‏ وكان أول قائد للقوات الجوية بعد النكسة هو العميد طيار مصطفي شلبي الحناوي‏,‏ بعد عودتنا تم اقصاء قائد القوة المقدم جلال الهريدي عن قيادة قوات الصاعقة لأنه كان قريبا من المشير عبد الحكيم عامر المعزول وهذا يفسر بوضوح لماذا لم يتم تكريم مجموعتنا التي استشهد منها ما يقرب من‏450‏ فردا أو حتي
تداول بطولاتها الخارقة في فلسطين عبر الجبهة الأردنية وكيف كبدت العدو خسائر فادحة‏,‏ رغم أنها نفس المجموعة التي شاركت في حرب الاستنزاف علي قناة السويس وتحديدا عند كوبري الرسوة جنوب بورسعيد شمال رأس العش‏,‏ وقد عملت بعدها مديرا لمكتب الفريق محمد فوزي وزير الحربية للمعلومات والعمليات الخاصة في الفترة من نهاية‏1968‏ وحتي نهاية‏1969‏ وبدأنا في بناء القوات المسلحة مستفيدين من دروس الهزيمة‏.‏
‏*‏ الآن وأنت تقرأ المشهد بعد‏44‏ عاما‏..‏ من المسئول عن النكسة؟
‏**‏ القرار الخاطئ للقيادة السياسية والعسكرية فلم تكن هناك قوة عسكرية تتمكن من الدفاع عن سيناء وتواجه العدو كما أن مسرح العمليات لم يكن مجهزا آنذاك للصمود أمام الهجوم فضلا عن وجود طائرة المشير في الجو مما منع خروج الطائرات المصرية للمواجهة أو حتي للحماية فضربت قواعدها جميعا بلا استثناء في جميع أنحاء مصر قبل بدء الهجوم علي سيناء‏,‏ وأضيف علي ذلك ما ذكره مختار بيت دكو الفلسطينية وبلغته للرئيس‏..‏ باختصار القوات المسلحة المصرية في يونيو‏1967‏ كانت غير مستعدة لقتال العدو وأن القرار السياسي والعسكري كان خطأ فادحا وهو سبب الهزيمة القاسية المتوقعة للجيش المصري في سيناء وهو سبب نكبة مصر وبقية العرب حتي الآن‏.‏
‏*‏ ماذا بعد النكسة‏..‏ خاصة وقد كنت بالقرب من الفريق محمد فوزي؟
‏**‏ قام الرئيس جمال عبدالناصر في تعاون وثيق مع الفريق محمد فوزي وزير الحربية وقيادات القوات المسلحة باعادة بناء القوات وتسليمها وتنظيمها وتدريبها واعداد خطط العمليات منذ عام‏1968‏ وحتي‏1973‏ وتم اعداد مسرح العمليات لاقتحام قناة السويس والاستيلاء علي خط بارليف وتدعيم الاحتياطيات القريبة واحتلال خط بعمق من‏12:15‏ كيلو شرق القناة كمهمة مباشرة للقوات المسلحة المصرية‏,‏ وتم الاعداد والتركيز واصدار المنشورات العسكرية لبناء القوات المسلحة والتدريب علي أعمال القتال المنتظرة اعتبارا من المنشور رقم‏1‏ وحتي المنشور رقم‏41‏ وكان هذا المنشور الأخير عبارة عن خطة عمليات القوات المسلحة لتنفيذ المهام القتالية المحددة لها والحمد لله تم تنفيذها بنجاح ويرجع الفضل في ذلك بعد الله الي التركيز النهائي لجميع رؤساء هيئة العمليات وخاصة اللواء محمد عبد الغني الجمسي وأيضا جميع رؤساء الهيئات والقادة في المدة من‏5‏ يناير‏1972‏ وحتي‏13‏ ديسمبر‏1973‏ وأيضا رؤساء الأركان وخاصة الفريق سعد الدين الشاذلي الذي أشرف علي اصدار المنشورات السابق ذكرها‏.‏
‏*‏ لماذا كل هذا الألم والحزن الواضح في حديثك؟
‏**‏ رأيت بعيني‏85‏ أخا لي يموتون ونحن نقاتل في فلسطين وكنت وقتها في السابعة والعشرين من عمري وقد جهلهم التاريخ ولم تكرمهم بلدهم‏,‏ ورأيت بعيني آثار النكسة في كل شبر بمصر وفي وجوه أبناء وطني وأتذكر ذلك جليا الآن وأنا في السبعين من عمري فأتساءل عن أبطال قهرهم الزمن وعن آخرين لم ينجزوا شيئا دخلوا عداد الأبطال‏...‏ ويقول‏:‏ أكثر ما يؤلمني الآن أن سيناء منذ نصر‏1973‏ وحتي الآن لم يتم تعميرها وكأننا دفعنا دماءنا وشبابنا وأرواحنا وضحينا بالغالي والنفيس لتحرير الأرض لكننا لم نحررها في حقيقة الأمر ومازالت سيناء حتي الآن أشبه بالصحراء ليس فيها بشر ولا ثمر ولا مصانع علي الرغم من الثروات الهائلة الكامنة فيها وقدم الكثيرون من خيرة أبناء هذا الوطن مشروعات ومشروعات لتعمير وعمران سيناء ظلت حبيسة الأدراج وأنا منهم‏...‏ وأخشي أن تتعرض لنكسة أخري ان لم يتم تنميتها وزراعتها بالبشر قبل الثمر‏.‏
‏*‏ في النهاية‏..‏ ماذا تود أن تقول؟
‏**‏ أتمني أن تنتهي الثورة المصرية علي خير وتحقق أهدافها الحقيقية للنهضة وعلي الجميع العمل كل من موقعه ومكانه من أجل تنمية واعمار مصر ودفع عجلة الاقتصاد والانتاج والاتجاه الي تنمية سيناء بالمشروعات القومية وأقسم أن بها ثروات لا تعد ولا تحصي يمكن من خلالها القضاء علي مشكلات البطالة وتوزيع السكان والزراعة وغيرها من المشروعات التنموية الشاملة‏...‏ بقي فقط أن أشير الي معركتي رأس العش بسيناء يوم‏29‏ يونيو‏1967‏ وعملية اغراق المدمرة إيلات أمام سواحل سيناء بالبحر الأبيض المتوسط يوم‏21‏ أكتوبر‏1967‏ كأبرز نقطة بيضاء شرفت القوات المصرية حتي عدت انتصار أكتوبر‏.1973‏


إضافة تعليق

البيانات مطلوبة

اسمك
*


بريد الالكترونى *
البريد الالكتروني غير صحيح

عنوان التعليق *


تعليق
*


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.