فور إعلان الولاياتالمتحدة عن الشروع في تنفيذ عقوبات اقتصادية ضد كل من روسيا وإيران وكوريا الشمالية بدأت الخطوات التصعيدية شيئا فشيئا حتي بلغت حد التلويح بالقوة العسكرية, فقد أجرت الصين أولي الدول المستهدفة بحزمة من العقوبات الاقتصادية الأمريكية أكبر عرض عسكري في تاريخها بمناسبة الذكري التسعين لتأسيس جمهورية الصين الشعبية في الأول من أغسطس عام1949, ولم يكن حجم القوات وأنواع الأسلحة المتطورة هي الأكثر لفتا للأنظار, بل كلمة الرئيس الصيني التي قال فيها إننا نحتاج جيشا قويا أكثر من أي وقت مضي, وهي إشارة إلي الحرب لم تعد محتملة فقط, بل إن المخاطر أصبحت قريبة في الزمن والجغرافيا, خاصة في ظل المناورات والتواجد العسكري الأمريكي المتزايد في بحر الصين والمحيط الهادي وفي كوريا الجنوبية, التي نشرت فيها الولاياتالمتحدة أحدث أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية. لم تكتف روسيا بالعرض العسكري لقواتها البحرية, رغم أنه كان الأضخم للبحرية الروسية, لكنها أعلنت أنها سوف تجري أضخم مناورة في تاريخها نهاية الصيف الحالي, ويشارك فيها نحو100 ألف مقاتل, ينتشرون في روسيا البيضاء وبحر البلطيق, بالقرب من قواعد حلف الناتو في دول شرق أوروبا. وكانت روسيا أعلنت أنها بصدد اتخاذ إجراءات انتقامية ضد الولاياتالمتحدة ردا علي العقوبات الإقتصادية, لن تقتصر علي طرد750 من الدبلوماسيين الأمريكيين, وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون بأن العلاقات مع موسكو في أسوأ حالاتها منذ انتهاء الحرب الباردة, معربا عن أمله في إمكانية احتواء هذا التدهور السريع. لا يمكن اعتبار أن تلك العروض العسكرية والمناورات غير المسبوقة تزامنت بالصدفة, فالأوضاع ملتهبة في أكثر من مكان, ومساحة الثقة تتقلص بين الولاياتالمتحدة وكل من روسياوالصين وإيران وكوريا الشمالية, والحرب الإقتصادية يمكن أن تتحول بسرعة إلي حرب عسكرية, فالإقتصاد والمصالح تحرك الأساطيل والجيوش, لكن جيوش هذا الزمن مدججة بأشد أنواع أسلحة الدمار الشامل فتكا, ولهذا تتجنب جميعها الصدام, لكن لا يبدو أن تجنب الصدام سهل. لأن جوهر الأزمة أن الصينوروسيا تريدان من أمريكا الإعتراف بعالم متعدد الأقطاب, تلتزم فيه بالقانون الدولي, لكن واشنطن لن تقبل بسهولة النزول من عرشها المتفرد, وأن تقف بالتساوي مع باقي الدول الكبري, بل ستواجه بكل قوة أي زحزحة لمكانتها. ظلت الصين طويلا تركز علي تنمية قوتها الإقتصادية, ولا تكترث كثيرا بقوتها العسكرية, لكن القلق الأمريكي من قرب صعود الصين إلي عرش القوة الإقتصادية الأولي في العالم أثار غضبها وهواجسها, واستعجل تدخلها لكبح التنين الصيني, وفرض ضغوط تحول دون نموه السريع, وهو ما دفع الصين إلي الإسراع في تطوير قدراتها العسكرية, تحسبا لأي صدام محتمل. بينما روسيا المتوجسة من زحف الناتو قرب حدودها, ومحاولات تطويقها قد تنبهت مبكرا لخطر الصدام العسكري. إن المنطقة العربية أصبحت ساحة لنزال إقليمي ودولي, تستعر فيه الحروب بالوكالة تحت قناع الجماعات التكفيرية, لكن المناطق الساخنة تمتد من بحر الصين والكوريتين إلي شرق أوروبا وحتي فنزويلا وكوبا والبرازيل, أي أن الساحة تشمل مع أرجاء المعمورة, ولا تحتمل حربا بالضربة القاضية علي الجميع, وإن كانت الساحة مهيأة لصراع طويل بالنقاط, سوف يكسبه الأكثر إرادة وقوة, فالعالم دخل مرحلة صدام طويلة وصعبة لتغيير مكانة ونفوذ الدول وفقا لموازين القوي الجديدة التي يمكن تجاهلها أو كبحها, وعلي رجال السياسة أن يسبقوا حركة الجيوش, والتوصل إلي صيغة عقلانية لحل الأزمات وإعادة ترتيب الأوضاع لتجنب أي انفجار واسع لأزمة كونية.