قرار جمهوري.. تعيين 4 أعضاء جدد بمجلس أمناء التحالف الوطني    تراجع طفيف لأسعار الدواجن اليوم الخميس في الأسواق (موقع رسمي)    توجيهات عاجلة من محافظ الجيزة بشأن المعديات والعائمات خلال عيد الأضحى 2024    استمرار تلقي طلبات التصالح في الفيوم    تجربة مبادرة "صحة المرأة" ضمن جلسات مؤتمر "صحة أفريقيا".. ماذا حققت؟    استشهاد 3 فلسطينيين خلال محاولتهم مداهمة قاعدة عسكرية إسرائيلية    المستشار الألماني يؤيد ترحيل المجرمين الخطرين إلى أفغانستان وسوريا    إصابات في قصف مسيرة إسرائيلية دراجة نارية بجنوب لبنان    بحماية الاحتلال.. مستوطنون إسرائيليون يواصلون مهاجمة المسجد الأقصى    إسبانيا تنضم لجنوب إفريقيا في دعوها بالعدل الدولية ضد إسرائيل    "اقتراب عودته بعد غياب 136 يوما".. ماذا حدث في آخر مباراة لمحمد الشناوي مع منتخب مصر؟    إصابة 3 أشخاص في انقلاب ملاكي بقنا    «تعليم المنوفية»: لا وجود لأي شكاوي من امتحانات الثانوية الفنية    انزلقت قدماه وسقط بين الرصيف والقطار.. مصرع مواطن بسوهاج    قافلة طبية مجانية بمركز طامية بالفيوم.. لمدة يومين    البيئة ونقابة الصحفيين يوقعان بروتوكولا لرفع الوعي البيئي بالقضايا البيئية المختلفة    هشام عبد الرسول: أتمنى تواجد منتخب مصر في مونديال 2026    رفضت العودة له.. تفاصيل التحقيق مع المتهم بإلقاء مادة ك أو ية على طليقته    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المحافظ جاى 000!!؟    عيار 24 الآن.. أسعار الذهب اليوم الخميس 6-6-2024 في محافظة قنا    قبل التغيير الوزاري، سويلم يقدم كشف حساب لوزارة الري على هامش المؤتمر الدولي للمناخ والبيئة    تعليق مثير من شوبير عن محمد أبو تريكة وشيكابالا.. ماذا قال؟    تحرير 1265 مخالفة عدم تركيب الملصق الإلكتروني ورفع 40 سيارة ودراجة نارية متروكة    ليلة بكت فيها سميحة أيوب.. الأوبرا تكرم سيدة المسرح العربي (بالصور)    عميد تجارة عين شمس: التعاون الثقافي والعلمي مع الجامعات الفرنسية مهم للجانبين    استقرار أسعار الذهب في مصر اليوم الخميس 6 يونيو 2024    الصحة العالمية تعلن أول وفاة مرتبطة بسلالة إنفلونزا الطيور (إتش5 إن2) بالمكسيك    اليوم ختام امتحانات الدبلومات الفنية فى شمال سيناء    إصابة 5 أشخاص في حادث تصادم ميكروباص وسيارة ملاكي بشبرا بنها الحر    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شوارع القاهرة والجيزة    وزير الإسكان يتابع موقف تنفيذ مشروعات الطرق والمحاور بالقاهرة الجديدة    أكرم القصاص: طلبات المصريين من الحكومة بسيطة والفترة الماضية شهدت انخفاضا فى الأسعار    خالد النبوي يبدأ تصوير مسلسل حالة إنكار.. تعرف على تفاصيله كاملة    أحمد الدبيكي: إتفاقية دولية مرتقبة لحماية العاملين في التخصصات الخطرة    مستشفى شهداء الأقصى: 141 قتيلا وصلوا للمستشفى فى آخر 48 ساعة    بدء التصويت فى انتخابات البرلمان الأوروبى العاشرة فى هولندا    مصر تتعاون مع مدغشقر في مجال الصناعات الدوائية.. و«الصحة»: نسعى لتبادل الخبرات    اعرف المدة المناسبة لتشغيل الثلاجة بعد تنظيفها.. «عشان المحرك ميتحرقش»    وزير الخارجية القبرصي: هناك تنسيق كبير بين مصر وقبرص بشأن الأزمة في غزة    محمد عبدالجليل يعلق على مباراة مصر وبوركينا فاسو    531 ألف جنيه، إجمالي إيرادات فيلم تاني تاني    نجم الإسماعيلي: تلقيت عروضًا من الأهلي والزمالك.. وهذا قراري    رجل الأعمال باسل سماقية يحتفل بخطبة ابنته (صور)    لماذا اخفى الله قبور الأنبياء إلا قبر سيدنا محمد؟ أمين الفتوى يجيب    واجبات الحج الأربعة.. معلومات وأحكام شرعية مهمة يوضحها علي جمعة    الأزهر للفتوى: الاجتهاد في السعي على طلب الرزق في الحر الشديد له ثواب عظيم    رئيس جامعة سوهاج يتسلم جائزة مؤسسة الأمير محمد بن فهد لأفضل إنتاج علمي    بوسي تستعرض جمالها في أحدث ظهور لها والجمهور يعلق (صور)    ملف رياضة مصراوي.. تصريحات صلاح.. مؤتمر حسام حسن.. تشكيل منتخب مصر المتوقع    إبراهيم عيسى: تكرار الأخطاء جريمة بحق التاريخ.. لم نتعلم من الأحداث    مصادر: خطة لرفع أسعار الأدوية بنسبة 30%    مهرجان جمعية الفيلم يعرض فيلم «شماريخ» تحت شعار «تحيا المقاومة لتحيا فلسطين» (تفاصيل)    هشام نصر يكشف مفاجأة: الزمالك لم يتم التعاقد مع محترف فريق الطائرة حتى الآن    البابا تواضروس يروى كواليس اجتماعه في وزارة الدفاع يوم 3 يوليو    تنسيق الثانوية العامة محافظة الشرقية 2024-2025 بعد ظهور نتيجة الشهادة الإعدادية (التوقعات)    حظك اليوم برج الأسد الخميس 6-6-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    عيد الأضحى 2024.. الشروط الواجب توافرها عند الذبح    البابا تواضروس: أخبرت نائب محمد مرسي عن أهمية ثقة المواطن في المسئول فصمت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من الحياة
دموع أم ريم

علي مهل وفي تأن غريب, تغادر شمس يوليو قلب السماء, تميل ناحية الغروب قليلا, يتمدد الظل فتلتقط الأرض الملتهبة أنفاسها, تهب نسمات خفيفة تحمل بقايا صهد الظهيرة وكثيرا من رائحة البيوت العتيقة في حواري الدرب الأحمر,
يرتفع صوت أذان العصر, تسمعه أم ريم يتردد من عشرات المآذن التي ترتفع في الفضاءات حولها, هذا الصوت الشجي القادم من بعيد ينبعث من مئذنة الرفاعي, وهذا الأذان الخافت الذي يجاوبه هو صوت مؤذن السلطان حسن, أما هذا الصوت الجهوري الذي يوقظ من كان في قيلولة فينطلق من مكبر صوت لجامع أثري يقبع كحارس أمين في أول الحارة.
كانت أم ريم تجلس علي الأرض, وقد ألصقت ظهرها بالحائط, تفكر, ودموع متحجرة تأبي أن تغادر مقلتيها, في الغد وما سيأتي به, متعبة كانت ويائسة وقد أظلمت الدنيا في عينيها, ولم تعد تري من سبيل للخلاص من حالتها المتأزمة إلا بمعجزة تهبط من السماء, بعد أن فشلت كل تحركاتها وخطواتها من أجل توفير لقمة كريمة لها ولطفلتها ريم, تبتسم بمرارة عندما مرت في خاطرها صورة ابنتها, تعاتب نفسها: بس ما تقوليش طفلة, بقت عروسة ما شاء الله.
ريم, حبة العين وقطعة من القلب, بل هي القلب كله, شابة كالقمر المضيء تكاد تحجبه سحابات الفقر والعوز, تستلقي علي السرير الوحيد الموجود بالغرفة, سرير ضيق يتسع بالكاد للمرأتين البائستين, تتلاصقان بحثا عن الدفء والطمأنينة وأمان من غدر الأيام يكاد يكون شبحا لا تستطيع القلوب أن تتعلق به ولا أن تفكر فيه العقول المنهكة, تنظر أم ريم إلي ابنتها عبر الغرفة الضيقة الخالية من الأثاث فتتنهد بعمق, ها هي الطفلة تبلغ عامها الخامس عشر, تودع الطفولة ببراءتها وعفويتها وتدخل بجرأة إلي سني الشباب والجمال والفتنة, ورغم ما وهبها الله من حسن فطري فإنه يعوزها الكثير مما يمتلكه أقرانها, من ملابس ومصاريف تعجز الأم الوحيدة عن توفيرها.
عندما رحل الزوج قبل ثلاثة عشر عاما, كانت أم ريم لا تزال في شبابها, لم تكن قد مرت سوي سبع سنوات علي زواجهما, رحل فجأة وكأنه لا يبالي بها أو بطفلتها, كأنه تعب من الحياة القاسية ومل من مقاومتها, تركها بدون أي دخل أو مورد للرزق, لم يترك ميراثا أو مالا, ومن أين له المال وقد كان عاملا علي باب الله, عندما طرق باب بيت أهلها في قريتهم المنسية بأطراف محافظة الشرقية يطلب يدها للزواج, لم ترفض ولم توافق, لم تكن قد رأته من قبل, قيل لها إنها ستسافر معه إلي القاهرة, انقبض قلبها, القاهرة مدينة كبيرة وهي لم تغادر بيوت القرية من قبل, عندما رأته لم تشعر تجاهه بشيء, بدأ من هيئته أنه يكبرها بسنوات عدة كما كان الفقر أحد ملامحه البارزة, ولكنها لم تر في هذا عيبا, الفقر مش عيب, هي أيضا فقيرة من بيت فقراء. تم كل شيء بسرعة كبيرة, لم تمض أسابيع حتي وجدت نفسها زوجة قاهرية تقيم في شقة صغيرة مؤجرة بالدرب الأحمر بالقاهرة, اندمجت سريعا في أجواء الحارة, وأسرتها طبيعة الناس المسالمة, السيدات في الحارة ودودات, يسألن عنها ويتحدثن إليها, عشريات تنشأ بينهن العلاقات سريعا, وتنفتح القلوب وتفيض الألسنة بالحكايا, وتنير الضحكات الخجلي الوجوه, كان الرجل يقضي يومه في الأعمال الشاقة ثم يئوي إليها منهكا فتكون له السكن والمأوي, ورزقهما الله بعد سنوات بريم, فأصبحت حياتهما مكتملة رغم الكد والعرق وضيق الرزق, وفجأة انتهي كل شيء.
رحل الزوج عن الدنيا ذات ليلة كئيبة, ترك ريم وأمها بلا عائل أو مورد رزق, لم يكن أمام أم ريم إلا أن تدبر نفسها, مارست بعض الأعمال البسيطة حتي توفر لنفسها ولطفلتها لقمة عيش ولو بلا غموس, انتهي عقد الشقة الصغيرة المؤجرة فانتقلت إلي غرفة أصغر بإيجار أقل وبعقد مؤقت أيضا, وتكرر الأمر عدة مرات, باعت أثاث البيت ولم يتبق إلا السرير وبعض الأطباق وأدوات الطبخ التي لا غني عنها.
لجات أم ريم إلي مكتب الشئون الاجتماعية بالدرب الأحمر تطلب معاشا لها ولابنتها ضمن برنامج تكافل وكرامة لتصطدم بأولي عقبات الروتين, قال لها الموظف بإشفاق: يا ستي إنتي تروحي الشرقية, عنوانك في بطاقتك الرقم القومي علي هناك, أي شرقية تذهب إليها أم ريم؟ ماذا تفعل إن عادت بابنتها إلي هناك, وعلي من تعيش عالة والكل مطحون في الفقر, كما أنها أصبحت قاهرية, ومن الدرب الأحمر, بنت بلد تماما, يا ستي ما ينفعش, بس ممكن تغيري محل الإقامة في البطاقة. لابأس يبدو أن هذا حل بسيط, لكن أم ريم سيدة طيبة, الروتين هناك في الشئون الاجتماعية هو هو في الأحوال المدنية, طلبوا منها عقد إيجار دائم وإيصال سداد كهرباء أو غاز طبيعي, لتجد نفسها في طريق مسدود تماما, وتعود إلي نقطة الصفر, فليس لها مكان إقامة ثابت, تتنقل بين غرف الإيجار المؤقت, ولا عداد كهرباء أو غاز باسمها, وكانت قد تقدمت بأوراقها إلي وزارة الإسكان, لتحصل علي شقة ضمن الحالات الأولي بالرعاية في5102/5/41, ولم تتلق ردا.
أم ريم, السيدة منال محمد عبد السلام, المقيمة منذ عشرين عاما في حي الدرب الأحمر, والتي لا تعرف لنفسها مكان إقامة آخر, تناشد الدكتورة غادة والي, وزيرة التضامن الاجتماعي, إدراجها ضمن برنامج تكافل وكرامة, لتوفير لقمة عيش كريمة لها ولابنتها الشابة التي ترتاد المدرسة وتحلم بمستقبل أفضل, كما تناشد الدكتور مصطفي مدبولي وزير الإسكان منحها شقة ضمن الحالات الأولي بالرعاية, رحمة بالمرأتين الضعيفتين من الإيجارات الجديدة التي لا تمتلكان قدرة علي مجاراة الارتفاعات الجنونية فيها.
علي حافظ


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.