تتسم المعالجة الحالية للقضايا السياسية بقدر كبير من الصراحة والشفافية برغم تباين الآراء واختلاف المواقف حولها وهو أمر طبيعي في أجواء الحرية والديمقراطية الراهنة, ولكن المشهد الاقتصادي يكتنفه الغموض والضبابية نتيجة آراء ومواقف وميول داخل الحكومة وعدم وجود حوار جاد مع الأطراف الأخري الفاعلة في المعادلة الاقتصادية.. وهناك من يشتم رائحة العهد الاشتراكي في بعض ما يجري حينما يفاجأ الجميع بفرض ضرائب جديدة سوف تؤثر سلبيا علي الأنشطة الاستثمارية والأخطر من ذلك أنها ستعطي رسالة خاطئة عن ملامح تعيدنا إلي أسلوب الصدمة في اتخاذ القرارات وعدم التشاور مع الدائرة الأوسع من الخبراء والمتخصصين لرصد النتائج المتوقعة والبحث عن البدائل الأكثر أمنا وقبولا من الرأي العام.. وفي الوقت الذي ندرك فيه الصعوبات التي تدفع الحكومة ووزير المالية لمثل هذه القرارات الفوقية إلا أننا وبحق نرفض أن يكون مستقبل الاقتصاد المصري الواعد رهنا باجتهادات محدودة لا تري جوانب أخري تستطيع أن تمنح الوطن فرصة الانطلاق نحو الجذب الحقيقي للاستثمار الجاد خاصة بعد تخلصنا من العقليات الفاسدة التي استباحت الأرض والثروات لخدمة أغراضها الشخصية.. وإذا كان من السهل تماما الحصول علي أموال وموارد من خلال الضرائب فإن المنافسة التي نرجوها ونتطلع إليها عالميا تفرض أولا وقبل كل شئ الشفافية في البرامج الاقتصادية ومحاولة خلق البيئة الايجابية والجاذبة للاستثمار بالحوار الهادف إلي حل القضايا المعلقة والملفات المفتوحة نتيجة أخطاء الماضي ومن ثم البحث عن المستثمرين الجدد الذين يجدون في مصر المجالات الواعدة في مختلف المشروعات الناجحة خاصة أن فيها أكبر أسواق المنطقة.. بمثل هذا المفهوم كان الأمل أن ترصد الحكومة المبالغ اللازمة لتحديث شبكة المواصلات الحديثة للمدن الجديدة والمناطق الصناعية وأن تدعو المستثمرين لمؤتمر عالمي تعرض خلاله خريطة متكاملة لمشروعاتها الصناعية والزراعية والسياحية والعقارية, وأن يجري قبل ذلك حسم الخلافات الحالية مع الشركات المحلية والأجنبية بصورة لا تهدر حقوق مصر ولا تفرط في الراغبين بالاستثمار.. المطلوب دائما أن يأتي التعامل شفافا وبثقة في الآخرين مالم تكن هناك أدلة واضحة علي مخالفة القانون, وأن تبدأ بتغيير نبرة العداء لكل أصحاب رءوس الأموال لأنهم الأقدر علي التنمية الشاملة وتشغيل الأيدي العاملة, ولأن الدولة وحدها لن تستطيع تحمل الفاتورة وأن استطاعت فلن نصل إلي النهضة التي طالما حلمنا بها.