متي تعرضت أمة لأزمات ومشاكل لجأت إلي علمائها ومفكريها لوضع روشته عاجلة للمرور بسلام من تلك الأزمات قبل أن تترك آثارها التي قد تستغرق سنوات لمحوها, وفي الحرب الشرسة التي تخوضها مصر ضد الإرهاب والتطرف لابد من الاستماع إلي المختصين للتعرف علي أسباب هذه الظاهرة وسبل التخلص منها وحماية الشباب من اعتناق أفكارها. حملت الأهرام المسائي تلك التساؤلات إلي الدكتور محمد كمال إمام, أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة الإسكندرية, وكانت تلك هي المحصلة حول أسباب ظاهرة التطرف التي انتشرت في العالم أجمع, يقول: المفاهيم المغلوطة هي السبب الرئيسي في صناعة التطرف, فالدين يصنع ثقافة والتي بدورها تصنع التدين, وعندما تكون الثقافة المكتسبة من الدين مغلوطة سوف تنتج في النهاية تدينا مغلوطا يهتم بالشكل والأزياء, وأفرز جميع المشكلات التي نواجهها الآن, وعلينا أن نعترف أن هناك أعداء للإنسانية وليس للإسلام فقط يغذون هذه الاتجاهات لدفع العالم كله إلي ثقافة واحدة, سواء كانت العولمة أو الرأسمالية أو غيرهما من الأفكار. وبالنسبة للوطن العربي يلعب أعداؤه في الخارج دورا لإشعال الحروب به لتحقيق مصالحهم, وهو ما يظهر جليا في الصراعات الدائرة بسوريا وليبيا واليمن والعراق, وهناك دعوات منذ القرن الثاني لتفتيت العالم الإسلامي والمنطقة العربية لأنها منطقة ثروات. وعما اذا كان الفقر سببا في صنع التطرف يقول د. إمام الفقر جزء من أسباب صناعة التطرف ويوجد في كل مجتمع ولكنه لا يصنع دائما التطرف, بل علي العكس ففي كثير من الأحيان يكون الفقير أكثر قوة نفسيا من الغني, و09% من المفكرين المصريين الكبار وأساتذة الجامعات في مصر كانوا من أبناء أسر فقيرة. والأزمة الحقيقية التي تعيشها مصر والعالم أجمع هي الفقر الروحي, فالغني أصبح لا يشعر بأن لديه واجبا تجاه الفقراء لمساندتهم في مواجهة معاناتهم, وهذا يشير إلي مدي البعد عن روح الأديان السماوية. وعن دور الأسرة والمدرسة في مواجهة هذه الظاهرةيقول للأسف دورهما أصبح متراجعا كثيرا خلال السنوات الأخيرة, وأصبح الاعتماد علي وسائل الإعلام التي تلعب دورا معاكسا في بعض الأحيان وتصبح من عوامل التغذية العكسية ضد محاولات الخروج من دائرة التطرف, فالإعلانات المنتشرة تعرض سلعا للمرفهين وأصحاب الأموال الطائلة تغذي الفوارق بين الطبقات وليس إلي مزيد من القيم مثل العمل والاجتهاد والأمانة. كما أن مناهج التعليم تحتاج إلي تطوير, والأهم من تطويرها هو أن يقوم المدرس بدوره في تدريس ما هو موجود, عندما يصل طالب إلي المرحلة الجامعية ولا يستطيع كتابة بحث علمي بطريقة صحيحة ويجيب علي أسئلة الامتحانات باللهجة العامية, هذا يدل علي خلل كبير في المنظومة. وتعليقا علي الأصوات التي تنادي بتنقية المناهج الدراسية بالأزهر الشريف لأنها مصدر الإرهاب يقول د. محمد كمال إمام البرامج الدراسية الموجودة في الأزهر هي التي أخرجت علماء من بينهم محمد عبده وطه حسين والشيخ مصطفي المراغي وغيرهم من أعلام التجديد والقضاء الشرعي, وهذا قول زور والدليل علي ذلك أن قادة العمليات الإرهابية من خريجي الكليات والتعليم العام وليس التعليم الأزهري, فالإرهابيون صنعتهم ثقافة مريضة وليس منهجا تعليميا معينا. وعلينا الاعتراف بأن المنهج الدراسي الأزهري معقد, حيث إن طريقة التدريس كانت ملائمة لفترات زمنية ماضية لا تصلح حاليا, والأزهر الشريف يدرك ذلك ويقوم بتطوير المناهج باستمرار ويقوم برفع بعض الأبواب التي أصبح وجودها تاريخيا فقط من بينها قضية الرق, ولكن الحاجة إلي التطوير ينطبق علي المناهج التعليمية في مصر بشكل عام بما فيها المدارس الدولية والخاصة أيضا. وعن كيفية مواجهة المجتمعات التطرف عبر مراحل التاريخ الإسلامي يقول علي مدار التاريخ الإسلامي ظهرت العديد من الحركات المتطرفة أنشأت دولا داخل أقطار الخلافة الإسلامية من بينها الحشاشون والقرامطة, والتي ظهرت في أواخر القرن الخامس الهجري, وانتصر عليهم المسلمون بتماسكهم والاجتماع علي كلمة سواء وتصحيح المفاهيم الخاطئة. اذ تقع توعية المسلمين بالمفاهيم الصحيحة للدين الإسلامي علي عاتق علماء الدين في المقام الأول فالخطاب الديني مسئول بنسبة كبيرة, ولذلك نثمن دعوة الرئيس عبد الفتاح السيسي بأن يتعامل الخطاب الديني مع المشكلات الحياتية للناس والمساهمة في معالجتها بمنظومة الدين التي تمنع كل هذه السلبيات, كما أنه مسئولية الأمة والدولة بصفة عامة, حيث إن قطاعات كثيرة تشارك في صناعة فكر الشباب سواء وزارة الثقافة أو الشباب والرياضة وعلماء الاجتماع وغيرهم. وحول ما يجب تطويره في الشريعة الإسلامية لكي تتناسب مع قضايا العصر يقول د. إمام: الجزء الثابت المتمثل في أركان الدين الإسلامي من صلاة وزكاة لا يمكن المساس به, والمتغير هو الوقائع والمعاملات بين المواطنين والتي تتغير من زمان ومكان إلي آخر, فالأحكام والقضايا التي كان يناقشها الفقهاء قبل ألف عام غير مطروحة في الوقت الحالي, ولذلك لابد من مواكبة العلماء لما يحدث علي أرض الواقع وأن يعملوا علي بأن يأتوا بحلول جديدة. ونحن بحاجة إلي غربال فكري بحيث نأخذ ما هو صحيح وثابت في الدين ونترك ما هو دخيل عليه, حتي لا يكون الدين تابعا لهوي فرد أو جماعة. أما المصطلح الثالث الذي تتناوله وسائل الإعلام دون الإحساس بالمسئولية الوطنية أو الدينية وهو تطويع الخطاب الديني, فهو مفهوم خطير يعني أنه يمكن أن يتحول الخطاب من الاستقلال إلي التبعية لفكر إيديولوجي معين قد يكون خارجا عن الإسلام, ويكون الخطاب أداة في يد كل فريق يجذبه نحوه ليحتكر به الحقيقة المطلقة.