حين ننظر إلي منظومة عمل المجتمعات المتقدمة سوف نلاحظ قابلية أغلب جزئياتها للتطبيق علي واقعنا المزري دون قص ولصق ولكن بتنزيل يأخذ الواقع والتاريخ والثقافة بعين الاعتبار كي لا ننتج بؤرا متنافرة لا تفضي إلي أية تنمية. هناك قيم أساسية تنطلق منها المجتمعات باتت دراستها من الأمور الملحة في ثقافتنا ولكن بعين المدقق الخبير. من تلك الأمور التي كثر فيها اللغط لغة التعليم فحين يعتبر العربي الذي لم يحتك بغير مجتمعه أن الرطانة بلغة أخري سبيل لرقيه الاجتماعي باعتبار أن الآخر متقدم ونحن نرزح تحت عباءة التخلف, فقد تعذره ولكن أي عذر لعلمائنا الذين درسوا في المجتمعات المتقدمة بلغات تلك المجتمعات وهو معامل مشترك بين مختلف الدول المتقدمة, فلا توجد دولة واحدة متقدمة تدرس أبناءها وتدير حياتها واقتصادها وتنميتها من خلال لغة غير لغتها القومية. العجيب في الأمر أن العديد من علمائنا يتشبثون بقشرة الحضارة ولا يسبرون أغوارها ويلبسون قبعة الأجنبي متماثلين في سلوكهم مع المواطن الذي لم يخرج من قريته! لقد أرسل المجتمع العديد من علمائه للدراسة بالخارج أملا في عودتهم ليقودوا التنمية ولكن مرت عقود وعقود ومؤشرات تنميتنا تتأخر وكأننا نريد هدم التنمية لابنائها. هل يمكننا اعتبار ذلك الشخص الذي خابر آليات التنمية ولم يدفعها, مفيدا للمجتمع بدرجة زميله الذي غاص في مشكلات المجتمع بلغته وحاول دفعه للأمام؟ قد يقول قائل أن عدم معرفة قوانين التعليم العام والجامعي وارد ولكن هل عدم المعرفة تلك واردة بالنسبة لقيادات التعليم؟ أين صلاحية المواطن في شخصية مديري العملية التعليمية؟ العجيب أن نسبة كبيرة ممن قادوا العملية التعليمية في مصر ساروا سيرة المواطن البسيط باعتباره المواطن الفصيح دون أن يتساءلوا عن علاقة لغة التعليم بجودته وبتنمية الوطن. أودت منظومة التعليم في مجتمعنا بنتائج كارثية منها أن حوالي ثلثي الطلاب في أكثر من نصف بلدان المنطقة يتخرجون في مجالات العلوم الاجتماعية والدراسات الإنسانية, وليس في مجالات العلوم الأساسية والرياضيات. وهذا النمط في الالتحاق هو نقيض النمط الملاحظ في منطقة شرق آسيا! غالبا ما يتبادر للذهن أن الإنفاق علي التعليم في منطقتنا كعذر لتدني مؤشرات التعليم ولكننا حين نكتشف أن الإنفاق علي التعليم كنسبة مئوية من إجمالي الناتج المحلي في منطقتنا هو ضعف مثيله في جنوب شرق آسيا وأن معدل نمو نصيب الفرد من الناتج المحلي في منطقتنا نصف بالمائة في حين أنه سبعة ونصف بالمائة في جنوب شرق آسيا, وأن معدل البطالة في منطقتنا15% في حين أنه9% في جنوب شرق آسيا; سنضع أيدينا علي شماعة التخلف التي يعلق عليها أغلب المسئولين فشلهم في إدارة قطاعاتهم. التنمية عملية كيميائية تنطلق من مواد موجودة لتنتج مواد جديدة بمواصفات محددة وإلا فهي عملية فاشلة تهدر وقت وطاقات الأمة. والعجيب أن تجهيل المجتمع بسياسات تعليمية متخلفة راهنت علي لغة الأجنبي أكثر من مراهنتها علي العلم وعلي لغة الوطن, يتم تحت مرئي ومسمع الجميع دون أن يحرك علماؤنا ساكنا. لقد بلينا بعلماء ينعقون بما لا يفهمون طالما أنه موافق لهوي من لا يدرك بالكلية أبعاد القضية ويحتاج إلي المعاونة فإذا بمن ظن بهم العلم يفتون بما لا ينهض الأمة. حدث هذا مرارا وتكرارا ولكننا لا نقرأ التاريخ وتناسينا أن للغة دورا مهما في مسألة القومية وصهر المجتمع سياسيا وفكريا في بوتقة واحدة. ودعونا نتساءل هل علماؤنا عبء علي التنمية أم وقود لها؟!