للإعلام دور مؤثر في توجيه الرأي العام بتنميطه العديد من الأفراد وجعلهم( وليس من عقولهم) قوالب جاهزة يمكن ملؤها بأي محتوي وتوجيهها لأي طريق, فهناك العديد من الدراسات التي تؤصل دور الإعلام في توجيه الرأي العام انطلاقا من اعتبار المجتمع بلا رأي بل ولا يصلح لقيادة نفسه ومنها كتابات المفكر السياسي الأمريكي والتر ليبمان في أوائل القرن العشرين رافضا فكرة الديمقراطية انطلاقا من عدم استطاعتنا الثقة برأي الجمهور واصفا إياه بالقطيع المرتبك وبالتالي فإن الديمقراطية( التي تعطي الجمهور دورا في اتخاذ القرارات) تصير خطرا. هذه النظرة الفوقية للمجتمع لصالح النخبة الحاكمة تجعل سيطرتها علي الجماهير مشروعة وبالتالي تقفز فوق الجماهير وتضع المجتمع ككل في مأزق. وتواكب مع هذا الفكر كتابات الأمريكي إدوارد بيرنيز عن استغلال الرغبات الدفينة للجماهير الذين وصفهم بأنهم غير عقلانيين ولا يمكن الثقة فيهم ويفتقرون لأية معايير عقلية أو أخلاقية, لدفعهم للاستهلاك وهو ما يشكل وسيلة لقيادتهم اقتصاديا وسياسيا. ورغم أن العديد من المفكرين قد بينوا خطورة ذلك النهج علي الرأي العام والمجتمع إلا أن آلة الإعلام التي يحركها رأس المال عقدت الأمور بصورة كبيرة خاصة مع زواج السياسة ورأس المال فباتت المعلومات مشوهة وبالتالي تم حجب العديد من الحقائق لتعطي المتابع صورة غير حقيقية بل وأحيانا صورة معكوسة عن الوضع باستغلال آلية التكرار الذي يترسخ في الذهن بعد فترة باعتبارها حقيقة. وهناك العديد من آليات التحكم في الشعوب يلعب الإعلام فيها دورا رئيسيا مثل معرفة الأفراد أكثر مما يعرفون أنفسهم وبالتالي مخاطبة الشعب كمجموعة أطفال صغار حسب مقولة المفكر الأمريكي تشومسكي. العجيب في الأمر أن هذه الآليات التي يبتعد عنها الإعلام الحكومي أو شبه الحكومي في الدول الغربية( تاركة المجال للإعلام الخاص) باتت أساس الإعلام في الدول المتخلفة! ومع انتشار الإعلام المرئي بصورة كبيرة نشطت الدراسات لدراسة تأثيره علي عقول وأفكار العامة مثبتة أن الفرد الذي لا يشاهد التليفزيون بصورة كبيرة تتنوع لديه مصادر الأخبار إضافة إلي الاستيثاق من مصداقيتها, بعكس من يسلم فكره لمن يحشو فيه الغث قبل السمين. والطريف أن تلك الدراسات قد امتدت إلي علاقة الإذاعة المرئية بالتفوق لدي الطلاب وأثبتت تفوق من يعزف عن مشاهدة الإعلام المرئي علي أقرانه الذين يضعونه في سلم أولوياتهم. ولحسن الحظ فلقد نشطت العديد من المجموعات في الفضاء الإلكتروني التي تبين زيف أغلب الإعلام المرئي وتوضح العديد من الحقائق المخفية رغم أن عدوي التدليس والتوجيه المنحرف قد انتقلت إلي تلك المجموعات ولكنها آلية زهيدة الثمن ومتاحة للجميع لنشر أفكارهم وكشف مصداقية وزيف ما يعرض في الإعلام المرئي أو الإلكتروني. ورغم وجود نماذج متحررة من المفكرين الذين يقفون أمام فريات الإعلام بالبحث والتمحيص إلا أن آليات السلطة تمد أذرعها إلي مسافات أبعد من التخيل في الدول المتخلفة لدرجة استغلال كل المنابر المرئية والمسموعة والورقية كأبواق للسلطة وهو أمر عفا عليه الزمن في أوروبا منذ قرون وإن ظل حتي وقتنا هذا في دهاليز السياسة, إضافة إلي محاربة الإعلام الإلكتروني بل وبث الكثير من المعلومات الزائفة فيه. ومن أمثلة ذلك المنابر الدينية بكل أطيافها والتي من المفترض أن تكون منابر تدعو إلي العدل والأخلاق, إذا بها تجر جرا إلي آليات الإعلام الحكومي وهو أمر يقوض آليات الحضارة والتنمية حيث يشير المؤرخ الإنجليزي توينبي إلي أن الانهيار الأخلاقي والديني يؤدي إلي الجموم وبالتالي يقوض آليات المجتمع في الاستجابة للتحديات التي تواجهه.