عرفته النيران وألفه لهيبها وحن عليه سعيرها.. وأطاعته ألواح الصاج و القصدير.. وتعلمت منه كيف يصوغ بهجة الأطفال والكبار..السخونة تحولت إلي لحظات حب متبادل بين الأنامل تارة والمطرقة مرات..وأحبت المعادن المقبل عليها وأعطته أسرارها. وإذا كان البعض من محبي الفنون, يعشق المشاهدة أو الاستماع إلي فنانيهم وهم في محرابهم إما آتيليه..أو استوديو.. أو صومعة خاصة ليخرج الإبداع متفردا.. فناننا ساحر الفوانيس خالف القاعدة وأعطي أزهي صور فنونه وهو بجانب النيران وأدوات اللحام تلهب من يقترب منها إلا هو ليخرج من داخل الدخان الكثيف المحيط به ومن انصهار الرصاص والحديد أزهي فوانيس تحاكي الأزمنة الجميلة وتمثل الفن الفاطمي والإسلامي أبهج صوره. واعتاد الأهرام المسائي في الشهر الكريم أن يلتقي بأمهر أصحاب الحرف كل عام في أيام الشهر الكريم وورثتها في بني سويف وعن حرفه الفوانيس التقينا مع ورثه الفنان الراحل كمال جودة وهم أبنائه الثلاثة حسن وعادل ومحمد الذين ذاع صيتهم من الإسكندرية إلي أسوان لما وضعوه من بصمه أعطت للحرفة رونقا خاصا يضيء أيام بطعم الزمن الجميل. يقول حسن النجل الأكبر من الورثة.. انتشرت صناعة الفوانيس منذ قديم الأزل خاصة في باب الخلق بقاهرة المعز, وامتدت بعدها للعديد من المحافظات وكانت بدايتها في محافظة بني سويف وذلك لقربها الشديد من القاهرة وكان الفنان كمال جودة أول من تعلم مهن صناعة الفوانيس وكان عمره وقتها6 سنوات وتتلمذ علي يد محمد الفوانسجي بباب الخلق بالقاهرة بعد أن أرسله والده إلي هناك لأنه كان يحتاج لتطوير صناعة الفوانيس بالمحافظة حيث كانت تقتصر علي صناعات بدائية ل وابور الجاز والصواني ثم رجع الصغير من القاهرة لينشر مهنة صناعة الفوانيس اليدوية وصناعات أخري قريبة منها ثم أورثها لأبنائه وأبناء أبنائه قبل أن يتوفي عن عمر يناهز ال77 عاما. وأضاف حسن لم يقف تعليم الوالد لنا علي صناعة الفوانيس بل جعلها تجري بعروقنا مجري الدم وهو ما يجعلنا نحافظ عليها ونعلمها أيضا لأبنائنا ولا نقوم بصناعة الفوانيس فقط لأن ربح الفوانيس يقتصر علي شهر شعبان ورمضان لذا علمنا الوالد مهن أخري نستخدم فيها نفس أدوات ومستلزمات صناعة الفوانيس فنقوم بصناعة أفران الكنافة وال حواووشي والفتارين وجاء الكباب والمداخن وهلال المساجد والشيش بأنواعها وأضاف قائلا: بأننا الآن لا نقوم بالتصدير للمحافظات الأخري إلا في أضيق الحدود حيث أن الإنتاج مقارب للطلب ببني سويف وكان والدي في السابق يصدر لفرنسا ومحافظتي الأقصروأسوان لتزيين الحنطور للسياح وكان الإقبال دائما علي فانوس النجمة ولكن تعرضنا لانتكاسة في صناعة الفوانيس عندما دخلت البلاد فوانيس الصين واستمر الحال علي ما هو عليه لمدة6 سنوات ولكن سرعان ما اختفي هذا الشبح وعاد الإقبال علي الفوانيس البلدي ذات الشمعة والباب الجانبي خاصة عقب قرار الرئيس بمنع استيراد الصيني. ويشرح لنا الابن الأوسط عادل بعض أسرار صناعة الفوانيس ومتطلباتها قائلا: معظم الفوانيس الآن مطلوبة بزجاج ملون ومكتوب عليها الآيات القرآنية بالخط العربي وخاصة للفنادق والشركات والخيام الرمضانية لذا نرسل الزجاج أولا قبل الشروع في الصناعة لمتخصص في محافظة الجيزة لتلوين الزجاج والكتابة عليه ثم نعود به مرة أخري ونقوم بتجهيز مقاسات الصفيح المطلوبة لكل فانوس ونقوم بعملية الثني واللحام والصندقة ثم نقوم بتجهيز القبب والقعود وهي الأجزاء الموجودة أعلي الفانوس وأسفله وآخر مرحلة هي تجميع الفانوس بعد تثبيت الزجاج وهناك نوع آخر من الزجاج اسمه الزجاج الشربتلي ونقوم نحن بتلوينه عن طريق وضع التفته والجملكة والسبرتو في الشمس لمدة3 شهور ثم نمشط به الزجاج فيصبح لونه مثل لون الشربات وله أيضا زبونه ونحتاج في مراحل التصنيع إلي الصفيح والذي نشتريه من باب الشعرية والزجاج ولحام القصدير والمقصات والكردون واخيرا الدقماء والثناية واللهب.. واستطرد قائلا: نقوم في النهاية بصناعة100 شكل وحجم من الفوانيس أشهرهم النجمة وأبو عرق وكتاب حياتي وعفركوش وأبو عياله والبرج الكبير... ويتراوح سعر الفانوس من6 جنيهات إلي500 جنيه حسب الطلب. وأنهي الابن الأصغر محمد الحديث قائلا: كان والدي وعمي حسن ومعهم جدتي يقومون بصناعة صواني العرائس المرسوم عليها وكذلك صواني الشاي النحاسية ولمبات الجاز رقم10 و15 فضلا علي أباريق الوضوء والبوابير بجانب صناعة الفوانيس.