من غيرها رمضان ما يحلوش.. هكذا يصف الأسوانيون مشروباتهم الشهيرة التي يتميزون بها عن سائر المحافظات, ومنها الكركدية والدوم والعرديب التمر هندي ومن قبلهم جميعا الأبرية- عبارة عن رقائق من العيش الأبيض الناشف, يكسر إلي قطع صغيرة ويوضع في عصير الليمون, ويقدم علي الإفطار- وينطق بالعامية الآبريق وتنطق القاف باللهجة الصعيدية المعروفة. وتتصدر هذه المشروبات بلا استثناء موائد الإفطار الأسوانية في الشهر الكريم, ولا تكاد مائدة تخلو من واحد منها عند جميع القبائل في النوبة والأصوالية والجعافرة والعبابدة وإن كانت القبيلة الأخيرة لا تستغني أيضا عن مشروب الجبنة الساخن بعد الإفطار وهو البن المحمص. وحدوتة المشروبات الأسوانية لها تاريخ طويل هنا في ساحرة الجنوب, حيث ترتبط إما بزراعتها في الجنوب أو استيرادها من السودان الشقيق الذي هو علي مسافة قريبة جدا من أسوان, لذا لا يخلو محل واحد من بيعها وكل صنف ونوع بسعره الذي يناسب جودته. وكما يقول محمد الصغير- أحد أشهر بائعي المنتجات الأسوانية- إنه كان حريصا علي أن تكون أسعار منتجات هذا العام متقاربة بشكل كبير مع مثيلتها في العام الماضي,حيث يباع الكركدية ذو الزهرة الغامقة ب70 جنيها للكيلو الواحد والدوم المطحون ب30 جنيها والعرديب بصنفيه قرون ومكور ب30 جنيها للكيلو, بينما الأبرية فهو يصنع في البيوت وتحديدا عند النوبيين المحترفين في صنعه, وعن البلح المجفف يقول إن أسعاره لم تتجاوز حاجز الثلاثين جنيها لصنف القنديلة, ويبدأ في الأصناف العادية بعشرة جنيهات للكيلو.. ويضيف بأن الإقبال علي الشراء حتي الآن متوسطا ومن المتوقع أن يشتد في أوائل الشهر الكريم, مشيرا إلي أن الأهالي يقبلون علي الكركديه والعرديب والدوم بسبب حرارة الطقس, ويوضح الصغير بأن مشروب الدوم يتم تجهيزه بنقعه في الماء ثم غليه أولا قبل تصفيته من خلال قطعة قماش من الشاش ويقدم باردا, أما الكركديه فيتم غليه فقط في الماء وتقديمه إما باردا أو ساخنا يوميا عقب تصفيته, أما التمر هندي أو العرديب فلابد من نقعه في الماء لمدة يومين. وتتحدث كريمة بكار عن الأبرية ومشروب الحلو مر قائلة ما أروع الأبرية المشروب النوبي الأصيل الذي يعمل علي امتصاص الاختزان الحراري من الجسم, فهو مشروب صحي ومرطب ويعالج الأمراض ومفيد جدا في حرارة الجو المرتفعة, وتضيف بكار بأن كل بيت نوبي يبدأ في تجهيز الأبرية في شهر شعبان بعجين دقيق الذرة, حيث يتم تخميره لمدة لا تقل عن أسبوعين ثم يضاف له مكسبات الطعم التي تميزه مثل الحلبة والحبهان والكمون قبل تسويته علي الدوكة باستخدام قطعة خشبية تجعله رقيقا جدا وبعد أن يتم تسويته تبدأ مرحلة تجفيفه وتدشيشه لتهادي به الأسر بعضها البعض قبل الشهر الكريم, وعن إعداده كمشروب علي المائدة الرمضانية, توضح بكار بأنه يتم نقعه في المياه وتبريده وإضافة عصير الليمون عليه ليكون جاهزا, أما الحلو مر بضم الميم فهو مشروب سوداني الأصل ويشبه الأبرية ولكن يختلف عنه في خلطته التي تتكون من العديد من المكونات ومنها الحلبة والزنجبيل والقرفة. وينتقل حافظ حكوم من أبناء مدينة أسوان للحديث عن البلح الأسواني الشهير الذي تشتهر بتجهيزه قري مركز أسوان, حيث يتربع البلح السكوتي والبرتمودة والقنديلة علي عرش الأصناف عالية السكريات ويتم غليه مع اللبن وتقديمه باردا في وجبة الإفطار, ويقول أن أشهر مناطق إنتاج البلح الجاف هي مركز أسوان حيث تشتهر بالنخيل وجودة تمورها, ويضيف بأن البلح البرتمودة وصل سعره إلي20 جنيها للكيلو والسكوتي إلي15 جنيه. أما الشيخ عوض هدل- شيخ البشارية في أسوان- فيتحدث عن الجبنة قائلا إنها المشروب الرئيسي للبشارية والعبابدة في كل مكان, سواء في المدينة أو وادي العلاقي والصحراء الشرقية, فهو مشروب خاص بنا وهو عبارة عن بن صاحي- صحيح- يتم طحنه بمطحنة في وقت تجهيزه فقط بعد الإفطار, وبعد الطحن يتم خلطه بالحبهان ويضاف له المستكة, وعلي جمر الفحم يوضع في إبريق فخاري تنتهي فوهته بمصفاة طبيعية من الليف حتي تمام غليه ويصب في فناجين صغيرة جدا ويتناوله العبابدة والبشارية في حلقات تجمعهم بعد صلاة التراويح كأحلي فنجان قهوة أصلي, ويضيف متبسما بأن تقديم الجبنة في عرفنا يعد إكراما وتشريفا للضيف والمضيف ورفض تناوله يعد عيبا كبيرا في حق من يقدمه. الجميل في أسوان.. إنه ورغم التطور الكبير في مناحي الحياة, إلا أن أهلها لا يزالون متمسكين بعاداتهم وتقاليدهم في هذا الشهر الكريم, سواء في المشروبات أو المأكولات والحلوي التي يتصدرها الزلابية لقمة القاضي والفطير باللبن الذي يتم خبزه داخل البيوت.. فالتقاليد في رمضان عند قبائل أسوان لم ولن تندثر.