كلنا نتصور أن قلوبنا ليست للبيع, وأنها لا يمكن أن تخضع للعمليات الحسابية; لأن القلب هو مناط المشاعر والأحاسيس, ولا يمكن تقييمه بالمادة, مهما بلغت قيمتها وقدرها, ولكن علي العكس تماما, فأنا أري أننا جميعا نطرح قلوبنا للمزاد العلني, ولكنه مزاد من نوع خاص جدا, فنحن عندما نتعامل مع الآخرين, ونظهر أجل وأجمل ما في قلوبنا من رحمة وإحساس. فهنا نعرض مزايانا وأفضل ما لدينا, وعندما نلتقي بمن نستشعر قدرتهم علي فهمنا واستيعابنا, ونقرر منحهم قلوبنا, فهنا نكون قد عرضناها في المزاد العلني, ورست علي من دفع أكثر, والدفع هنا ليست مبالغ مالية, ولكن أحاسيس صادقة نابعة من قلب صاف ومخلص, وهذه الصفقة رابحة مائة في المائة, بالنسبة لمن رسا عليه المزاد; لأن من يملك قلب إنسان مخلص, فإنه بالتبعية سيملك معه كل ما يملكه هذا الإنسان. فعلي سبيل المثال, من يقترب من شخص صادق ويحبه, سيضمن مؤازرته له في محنه وجوده عليه بمشاعره ونصائحه, وكل ما يملك سواء علي المستوي الروحي أو المادي, وإلا تكون هذه المشاعر مجرد كلمات لا ترقي إلي مستوي النطق بها, وهذه النظرية تنطبق علي جميع العلاقات بشتي صورها التي نعايشها في حياتنا, فهي لا تقتصر فقط علي العلاقات العاطفية, فالقلب مملوء بكافة أنواع المشاعر, ويمكنه أن يجود بها علي أكمل وجه, ولكن لمن يقدرها ويقيمها بصورتها الصحيحة, ويكون قادرا علي رفع قيمتها; حتي يرسو عليه المزاد. وهناك قصة تحكي عن رجل غني وابنه, كانت تجمعهما هواية جمع الأعمال الفنية الأصيلة النادرة, وذلك بدءا من بيكاسو حتي مايكل أنجلو, ولما اندلعت حرب فيتنام, ذهب الابن ليشارك فيها, ومات في معركة, بينما كان ينقذ شخصا آخر, فحزن عليه والده حزنا شديدا, وبعد شهر تقريبا جاء شاب يمسك بيده لفافة كبيرة, وقال:سيدي, أنت لا تعرفني, أنا الجندي الذي قدم ابنك حياته من أجله, وقد كان كثيرا ما يحكي عنك, وعن حبك للفن, ثم أمسك الشاب باللفافة الكبيرة, وقال:أنا أعلم أن هذا ليس شيئا عظيما; لأنني في الحقيقة لست فنانا كبيرا, ولكني أعتقد أن ابنك كان سيرضي أن تكون هذه لك, ففتح الوالد اللفافة, فإذا بها صورة لابنه رسمها الشاب, ففاضت عيناه بالدموع, وشكر الشاب, وعرض عليه أن يدفع ثمنها, فقال الشاب:أنا لن أقدر أبدا أن أدفع ثمن الذي فعله ابنك من أجلي, وهذه اللوحة هدية. وبعد بضعة أشهر مات الرجل, وعرضت لوحاته في مزاد علني كبير, حضره كثير من الشخصيات البارزة والثرية, وبدأ الدلال جلسة المزاد بعرض لوحة الابن, وقال:من سيأخذ هذه الصورة؟, فإذا بالصمت يعم القاعة, ثم ارتفع صوت يقول: نحن نريد أن نري اللوحات المشهورة, دعك من هذه الصورة, ولكن الدلال عاد يقول:من سيدفع من أجل هذه اللوحة؟, وأخيرا جاء صوت من آخر القاعة, كان صوت الجنايني الذي قضي أغلب عمره مع السيد وابنه وقال:أنا أدفع عشرة دولارات, إنها كل ما أملك!, فقال الدلال:من سيدفع أكثر؟ وهنا قال بعضهم:أعطها له, ودعنا نري اللوحات الأخري العظيمة, فقرع الدلال بمطرقته, وقال:بيعت اللوحة بعشرة دولارات, انتهي المزاد يا سادة, فتذمر الحاضرون, وقالوا:ماذا عن اللوحات الأصلية؟, فقال الدلال:أنا آسف, عندما طلب مني أن أتولي هذا المزاد, أخبرت بشرط سري في وصية الرجل, وهو أن لوحة الابن فقط هي التي ستعرض في المزاد, ومن سيشتريها سيرث كل شيء, ومن ضمنها اللوحات الفنية الأصلية, أي من سيأخذ الابن سيأخذ كل شيء. وهكذا, فمن سيأخذ القلب المخلص, سيأخذ معه كل شيء.