أنا شاب في آواخر العشرينيات من عمري, أتيت من محافظتي في أعماق الصعيد بصحبة والدي الذي أضطر لتلقيط أكل عيشه في القاهرة فكنت أرافقه منذ طفولتي لأساعده في الحصول علي الرزق من أعمال مختلفة لكنه كان حريصا علي تعليمي فكنت أوفق بين دراستي وبين سفري الدائم معه حتي كبرت بين حواري القاهرة واستطعت إجادة أكثر من عمل فاخترت بعد تخرجي في إحدي الكليات النظرية أن أعمل سائق سيارة بينما عجز والدي عن العمل فعاد إلي بلدتنا وأكملت أنا مشواري الشاق في العاصمة حتي استطعت جمع مبلغ يمكنني من الزواج فخطب لي الأهل إحدي قريباتي التي كنت قد لمحتها مرة واحدة وفقا لعادات قريتنا الصغيرة, ولم أرها وأتحدث معها فعليا إلا بعد عقد القران فحمدت الله كثيرا علي شكلها الحسن وعلي القبول الذي حدث بيننا. تزوجتها وقضيت معها شهرا وتركتها بين أهلي مثلما تنص عليه عاداتنا أيضا وعدت إلي عملي وحياتي في القاهرة; حيث لم أستطع اصطحابها معي لأنني أقيم في حي عشوائي غير آمن علي أطراف القاهرة, وزوجتي التي لم تكمل تعليمها الابتدائي لم تغادر يوما حدود قريتها! واستمرت حياتي علي ما كانت عليه قبل الزواج لكن أضيف إليها أنني أعود لزوجتي كل شهر ونصف تقريبا فأقضي معها عشرة أيام أعود بعدها إلي عملي, وقد أنجبت لي منذ عدة شهور طفلة جميلة لكن هذا لم يغير من نمط حياتي شيئا: فلا أنا قادر علي إحضار زوجتي بصفة دائمة ولا أنا قادر علي الإقامة معها وقتا أطول والمشكلة الآن يا سيدتي هي أنني وبعد مرور عامين علي زواجي وجدتني أصبحت ضعيفا نحو الفتيات اللاتي يعشن في الحي الذي أقطنه والسيدات اللاتي أتعامل معهن من خلال عملي, وأصبحت أشعر أن ابتعادي طويلا عن زوجتي قد يدفعني للرزيلة التي أرفضها بكل قوتي, وفي نفس الوقت أشعر أنه من المبكر جدا التفكير في زيجة ثانية لا أتحملها ماديا في الأساس بالإضافة إلي تخوفي من تبعاتها علي زوجتي.. فهل ترين لي حلا ثالثا خاصة أن هذا الحال منتشر جدا في قريتنا إذ يتزوج معظم شبابها ويرحلون وراء لقمة العيش تاركين وراءهم الزوجات والأبناء وكنت أعتقد أنني سأصمد مثلهم, فبماذا تشيرين علي؟ عزيزي الزوج الأعزب أشكرك علي مشاركتنا مشكلتك وما تعانيه من إغراءات عاطفية وحسية فأنت بالتأكيد في وضع لا تحسد عليه; حيث إنك اجتماعيا متزوج بينما أنت متزوج لمدة عشرة أيام كل ستة أسابيع مما يعني أنك متزوج أقل من شهرين في السنة بشكل فعلي! وأنا لا أتحدث هنا عن ممارسة الجنس ولا حتي المشاعر فقط لكن أيضا معايشة إنسانة تعي وتعيش معك كل ما تمر به أثناء يومك وتشاركك الأفكار والأحلام, فهل يعني كلامي هذا أن زوجتك لا تصلح؟ ألمح من كلماتك أنك تميل لزوجتك وتستمتع معها بالأوقات القليلة التي تقضيانها معا, وأن جوهر معاناتك في كونها غير موجودة معظم الوقت وأن إحضارها قربك ليس في استطاعتك كما تقول! لكن اسمح لي عزيزي العشريني المكافح أن ألفت نظرك لكونك شاب ذا عادات وتقاليد تحترمها واحترامها هو جزء لا يتجزأ من احترامك لنفسك ومن سلامة بنيتك النفسية والاجتماعية في قريتك وفي الحي الذي تقطنه أثناء عملك مما يعني أنك لن تهنأ في علاقة غير شرعية تمارس فيها رجولتك ومشاعرك المنطلقة من جراء محيطك المفتوح في المدينة, ولا أشجعك أيضا علي الارتباط بأخري ليس فقط بسبب الضغوط المادية التي لا قبل لك بها الآن بل لأنك في واقع الأمر سعيد وهانئ مع زوجتك لولا الظروف التي تباعد بينكما, أقول ذلك في نفس الوقت الذي ألفت نظرك بل أحذرك لخطورة البعد وازدياد فجوة الثقافة بينكما, ثمة خطورة واقعية في عدم وجود الزوجة إلي جانبك وهي أنكما تعيشان حيوات متلازمة( بالزواج) منفصلة بحكم الخبرات والمعايشات المختلفة مما يجعلك تنجذب لأخريات ممن يشاركنك الظروف ويقطن معك في نفس الحي. أخيرا, مقولة البعيد عن العين بعيد عن القلب تحمل دلالات علمية, فمعظم الأشخاص يؤثر البعد في صلابة علاقاتهم بالآخرين فتجد نفسك أميل لإقامة علاقة أسهل وأنسب من حيث المسافة والظرف المكاني, لذا لا أري لك حلا إلا في ضم زوجتك لكنفك في أقرب فرصة وبأي طريقة لتفادي مزيد من البعد وحماية لنفسك من السقوط فريسة لغرائزك واحتياجاتك المشروعة بطرق غير مشروعة أو غير محمودة العواقب. كما أري أن وجود زوجتك إلي جانبك يمكن أن يمثل دعما لك لمزيد من التركيز والعمل وربما يمكنها الخياطة أو التطريز أو ممارسة أي عمل من المنزل يسهم في تخفيف أعباء المعيشة, أنا أدعوك لمنح نفسك ومنح زوجتك فرصة حقيقية لتواكب ما يحدث في حياتك حرصا علي سعادتك في المقام الأول ثم هناء أسرتك الصغيرة( التي تضم زوجتك وابنتك), والكبيرة وعلي رأسها والدك ووالدتك وهذا جزء لا يتجزأ من هنائك الشخصي في ثقافتك الأصيلة, وفقك الله لرزق أوسع وقرار سليم.