بدأت أشعر بمزيج من القلق والخوف مع قدوم شهر رمضان الكريم في السنوات الأخيرة, بعد أن حولته الجماعات الإرهابية إلي موسم للقتل والتدمير, وارتفعت فيه معدلات ارتكاب جرائم الإرهاب, خاصة باستخدام السيارات المفخخة والأحزمة الناسفة, حتي يلقي الإرهابي مصرعه مع عشرات الضحايا الذين لا يعرفهم, وهو يعتقد أنه مجاهد يقتل الكفار, وسيضمن له مكانا في الجنة. لقد حولت الجماعات الإرهابية شهر السكينة والأمان والصفاء والبهجة إلي شهر للدماء والمآسي والخوف والرهبة, ولهذا علينا أن نتخذ أقصي درجات الحذر والتأهب لإحباط جرائم هؤلاء الهمج, الذين أفسدوا الحياة, ولطخوها بالكثير من المجازر. لا ينبغي أن نترك هذه الجرائم حتي تفاجئنا, ثم نسقط في الأحزان علي الضحايا, سواء كنا نعرفهم أم لا, بل علي الأجهزة الأمنية أن ترفع أعلي درجات التأهب, مع انتباهنا جميعا, واتخاذ الاحتياطات الضرورية, خصوصا في الأماكن التي يفضل الإرهابيون مهاجمتها, مثل الكنائس والدوريات الثابتة أو الأماكن الحيوية. ليست الجرائم الإرهابية فقط هي التي ازدادت معدلاتها, فظاهرة التسول في رمضان أصبحت أكثر انتشارا, ونشاهد تجمعات لمنتظري الصدقات في كل مكان, وإذا كان تقديم الصدقات خلال الشهر الكريم من الخصائص الطبيعية, فإن الأفضل أن تكون حياة الناس كريمة, لا تدفعهم إلي طلب الصدقات, وبهذه المعدلات العالية عن بلدان المنطقة, فالأكرم أن تتوفر الحدود الدنيا من الحياة الكريمة لكل الفئات, بدل أن نشاهد العربات الفارهة محاصرة بالعشرات من طالبي الصدقات, في صورة محزنة, وأن تكون طريقة توصيل الصدقة وشكلها أكثر إنسانية, فبدلا من موائد الرحمن التي تنتشر في الشوارع, والتي قد تذهب اليها بعض الأسر الفقيرة بكاملها لتناول الطعام, فمن الأفضل أن تصل الوجبات لهذه الأسر إلي محل إقامتها, حتي يتناولون الطعام معا, دون أن تلاحقهم النظرات, وأن يشعروا بأنهم يعيشون حياتهم الطبيعية, ويأكلون بكل راحة مع أهلهم, ومن السهل إعداد سلال الغذاء لتصل إلي بيوتهم, أو وجبات جاهزة في علب مناسبة لأولئك الذين لا يسعفهم الوقت للإفطار مع أسرهم, وليس لديهم قيمة وجبة الإفطار. علينا مراعاة مشاعر الفقير, وأن تكون الصدقة في السر بقدر الإمكان, حتي لا نطعنه في مشاعره وكرامته, ولهذا يجب التقليل من ظاهرة الموائد الرمضانية التي يغلب عليها التباهي بين بعض الأثرياء, وأن يستبدلوها بسلال الغذاء إلي الفقراء في العشوائيات والمناطق الشعبية الفقيرة, وأن تشترك جهة مثل وزارة الأوقاف في تقديم إعانات رمضانية بمشاركة الجمعيات الخيرية, وتمويلها من صناديق النذور التي يستأثر بمعظمها الموظفون, ولا يحصل منها الفقراء سوي علي النذر اليسير, إلي جانب جزء من أرباح هذه الوزارة الغنية, حتي نتمكن من خفض معدلات الفقر, وتحقيق بعض العدالة بين أغلبية ساحقة من الفقراء الذين لا يجدون قوت يومهم, وأقلية تضخمت ثرواتها دون عناء أو جهد حقيقي يعود بالنفع علي البلاد والعباد. ولأن رمضان سوف تتخلله إمتحانات قطاع كبير من الطلاب, فمن الطبيعي أن تنتهي ظاهرة الغش في الإمتحانات, فلا يمكن الجمع بين الغش والصوم, وإلا كنا نخدع أنفسنا بقشرة رقيقة من التدين التجميلي الزائف, وأن نسعي إلي تكريس احترام قيمة البعد عن الغش, ليصير الصدق هو ما يميزنا, وأن يكون التنافس علي القيم الإيجابية. يمكن أن نجعل من مناسبة الشهر الفضيل محاولة لتصحيح النفس والمجتمع, وتغليب العادات الإيجابية علي السلبية, وأن تقل فيه الأنانية, وتعلو قيمة الإيثار والحب والشعور بالآخر, وتقدير كرامته ومشاعره وحقه في الحياة الكريمة.