تحدثت منذ أيام مع مدير أحد معاهد التدريب التقنية الحكومية حول اللغة ودورها في فهم المادة العلمية وتعجب معي لاختيار المتدربين اللغة الأجنبية في التدريب رغم تدني كفاءة التدريب بتلك اللغة نظرا لعدم إتقان المدرب والمتدرب لها مقارنة بالعربية ورغم أن غالبية المتدربين من خريجي الجامعات, وأشار إلي أن الغالبية تأتي للتدريب للحصول علي الشهادة وليس العلم بحثا عن وظيفة أفضل أو للترقية في نفس العمل وهو ما يعني أن كفاءة العمل ليس لها محل من الإعراب! لم يعد نهج الحصول فقط علي الشهادة مقتصرا علي طلبة المدارس والجامعات بل لقد تعداه إلي قطاع العمل لنتعجب بعدها من تدني كفاءة مختلف أعمالنا. حين بدأ حفر أول قطار أنفاق في القاهرة تردد أن الخبرة المكتسبة ستمكن مهندسينا من بناء الخطوط الأخري ولكن أتيح لمهندسينا في أول مشروع عدم الالتزام بالحضور فضاعت فرصة اكتساب الخبرة من ذلك الخط الأول وتم نفس الشيء في الخط الثاني وهكذا دونما محاسبة للمهندسين والفنيين من هيئاتهم ودونما محاسبة لرؤسائهم عن هذه الفرصة التي ضاعت علينا جميعا. بل إن نقابة المهندسين والتي يناط بها مصلحة المهنة لم تعر الأمر أية التفاتة. هذا النمط المستهجن في بناء الخبرات هو نفس ما يتم تلقينه في الجامعة وفي المدارس حين يصبح ناتج التعليم الوحيد هو الحصول علي الشهادة بأي صورة وبأقل جهد وليصبح السؤال الأول في كل مادة: كيف سيكون شكل الامتحان؟; متناسين أننا نفقد في كل عام بل وفي كل يوم ملايين ساعات العمل التي يمكن باستغلالها لدفع المجتمع للأمام. يتعجب المستعرب الياباني نوبواكي نوتوهارا في كتابه: العرب وجهة نظر يابانية, من تضحية المجتمع العربي بالأفراد الموهوبين وبالأفراد المخلصين إضافة إلي غلبة عدم الشعور بالمسئولية تجاه المجتمع وتجاه الوطن علي سلوك الناس مما يجعل التضحية بمن يضحي من أجل المجتمع بالمجاهرة بالحق أو بالوقوف ضد الممارسات الخاطئة نمطا عاما حيث يضع البعض تلك التضحية من هؤلاء الأفراد الشجعان محل سخرية وكأنما التصدي للخطأ أمر مستهجن بل إن البعض ليتعامي عن مساندة هؤلاء الطليعة وكأن الأمر شخصي بحت حين يتعرضون للاضطهاد أو للعقاب أو لغير ذلك من أشكال التعامل السلبي وعليهم أن يتحملوا وحدهم أعباءها وتبعاتها! منذ عقود انتصر زميل لي لزميل آخر لم يكن يعرفه في الحق في موقف عمل رسمي في مواجهة زميل ثالث لتدور الأيام ليصبح من كان الحق في جانبه وصديقي أصدقاء وليتبوأ الثالث عمادة الكلية فيتجاوز صلاحياته متذكرا تلك الواقعة معتقدا أنه يملك الآن المنح والمنع, فيتصرف صديقي كأن الأمر غير ذات معني باعتبار الأعمال العامة تكليفا وليست تشريفا فيفقده بذلك لذة التشفي وليثبت صغر قامته; ولكن المثير في الأمر أن المجتمع العلمي داخل القسم والكلية لم يعترض علي ذلك التجاوز الذي كان زميلنا المقدام يحاربه لمصلحة الجميع دونما محاباة لأسباب قد تشمل أن بعض من بيده مقاليد الأمور في هذا المجتمع الصغير( أو المتعاطف معهم) ليس له مصداقية لاتهامه بقضايا سرقة علمية لم تبرئه المحكمة منها ولكن تم تعيينه غصبا عن القانون الذي يشترط في موظفي الحكومة حسن السير والسلوك ناهيك عن تسليمه موقع الريادة لطلاب جامعيين ولأعضاء هيئات تدريس بالجامعة, وكأنما يطبق المجتمع نفسه مقولة نوتوهارا بالتضحية بأولئك الأفراد الشجعان الذين يتعاملون مع قضايا الحق والعدل بتصديهم للفساد وللانحراف! تلك الحادثة جعلتني أتذكر مقولة الرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت: فلتحكم علي بمن أصبحوا أعدائي.