يحلو للبعض أن يدندن بأغنية عتيقة عفا عليها الزمن, مرددا نغمة نشاز عن توتر بين الشقيقتين مصر والسعودية, مضخما أي خلاف بسيط في وجهات النظر سرعان ما يتلاشي, ويعتبره شقاقا, بل وإعلان حرب باردة أو ساخنة, وصاحب هذا الادعاء يتجاهل حقائق وأرقاما ماثلة علي أرض الواقع, واضحة لا ينكرها إلا صاحب هوي أو أفاق مدع. هذه الحقائق تؤكد أن أرض الكنانة وبلد الحرمين بينهما علاقات تاريخية وثقافية وحضارية قادرة علي عبور أي كبوات, وتجاوز أي مؤامرات تحاول دق إسفين بين البلدين, فالعلاقات المصرية السعودية علاقات إستراتيجية, وهذا أبسط وصف لها, والتفاهم بين الرئيس عبد الفتاح السيسي وبين خادم الحرمين الملك سلمان بن عبد العزيز كبير وجلي, تعززه اللقاءات بين الزعيمين, والتواصل المستمر بينهما لمناقشة قضايا الإقليم, وأوضاع الدول العربية التي تعاني حروبا أهلية وهجمات إرهابية ومؤامرات داخلية وخارجية لتفتيتها وتقسيمها إلي دويلات. وتأتي الزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس السيسي إلي المملكة الأسبوع الفائت, وحفاوة الاستقبال التي حظي بها من الأشقاء في المملكة, لتؤكد قوة ومتانة العلاقات بين البلدين, وتعد المملكة الدولة الأكثر زيارة من الرئيس السيسي, فهذه هي زيارته الثامنة لها, وتأتي هذه الزيارة أيضا في وقت حساس وخطير بالنسبة لوحدة الصف العربي, الذي يشهد انشقاقات وانقسامات تحركها أياد إقليمية ودولية تسعي لفرض رأيها وأسلوبها, وترك بصمتها علي الوضع العربي الراهن. وتعد المملكة في مقدمة الدول الداعمة لمصر بعد ثورة30 يونيو, حيث قامت بجهود دبلوماسية كبيرة في الدول الغربية للتعريف بالثورة والحث علي الاعتراف بها, كما قدم العاهل السعودي الراحل الملك عبدالله بن عبد العزيز دعما اقتصاديا لمصر لمواجهة حالة التدهور الاقتصادي الناجمة عن الاضطرابات التي شهدتها البلاد منذ بداية ما عرف زورا باسم الربيع العربي. ووسط حفاوة بالغة من العاهل السعودي, وبعد استقبال ملكي للرئيس المصري, عقد الزعيمان جلسة مباحثات بحضور وفدي البلدين, استهلها خادم الحرمين بالترحيب بأخيه الزعيم المصري عبدالفتاح السيسي, مؤكدا عمق ومتانة العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين والشعبين الشقيقين, مشيرا إلي حرص بلاده علي تعزيز التشاور والتنسيق مع مصر بما يضمن تحقيق مصالح الأمتين العربية والإسلامية وشعوبهما, موضحا وقوف بلاده إلي جانب مصر ودعمها لها خاصة في مواجهة الإرهاب والتطرف الديني. أما الرئيس السيسي فقد أكد اعتزازه بالعلاقات الإستراتيجية التي تجمع البلدين, مشيرا إلي حرصه علي تدعيم أواصر العلاقات الثنائية في شتي المجالات, بما يسهم في تعزيز العمل العربي المشترك في مواجهة مختلف التحديات التي يواجهها الوطن العربي. كما أكد الزعيمان; السيسي وسلمان, رفض كل محاولات التدخل في الشئون الداخلية العربية, وضرورة قطع الطريق علي أي مساع تستهدف بث الفرقة والانقسام بين الأشقاء حفاظا علي الأمن القومي العربي, حيث إن ذلك هو الضمان الوحيد لتحقيق الاستقرار. وخلال المباحثات تم استعراض عدد من الملفات الإقليمية, حيث اتفق الزعيمان العربيان علي أهمية تعزيز التعاون والتضامن العربي, للوقوف صفا واحدا أمام التحديات التي تواجه الأمة العربية, وإنهاء الأزمات التي يمر بها عدد من دول المنطقة, بما يسهم في استعادة الأمن والاستقرار بتلك الدول. وقد وجه الرئيس السيسي الدعوة لشقيقة الملك سلمان لزيارة مصر, ووقعت هذه الدعوة موقع ترحيب من العاهل السعودي, حيث يري الزعيمان أهمية اللقاء بشكل مستمر للتنسيق بينهما بما يصب في صالح البلدين والمنطقة بأسرها, وتحيا مصر.