قليلون للغاية من يستطيعون أن يحققوا نجاحا كالذي حققه الإعلامي الأمريكي بل أورايلي, فأكثر من ثلاثين مليون أمريكي كانوا يواظبون علي مشاهدة كل حلقة من حلقات برنامجه التليفزيوني. وكلما علا صوته وزادت نبرته حدة وتمادي في استفزاز ضيوفه, كلما زادت شعبيته وتهافت عليه المعلنون وتدفقت بالتالي الملايين علي الشبكة الإخبارية. انضم أورايلي لشبكة فوكس نيوز منذ نشأتها في أواخر التسعينات, واستطاع أن يصير الواجهة البراقة المميزة لهذه القناة التليفزيونية ذات الاتجاهات اليمينية الخالصة. وأورايلي إعلامي بالغ التأثير, فالآراء التي يطلقها علي الهواء تصير في الحال عقيدة راسخة وحقيقة لايرقي إليها الشك للملايين من متابعيه, بصرف النظر عما قد تعبر عنه هذه الآراء من عنصرية أو عنف أو كراهية. وكان معتادا أن يتحول النقاش إذا احتدم إلي وقاحة, فنري فنانة مثل سوزان سارندون تلقي بالميكروفون وتنسحب من الاستوديو اعتراضا علي أسلوبه, ونري سياسيا كالسناتور الجمهوري جون ماكين يقول إن أورايلي لايتصرف كمقدم برنامج وإنما كمحقق نيابة! كان أورايلي يفسر انتقاد الآخرين لأسلوبه المستفز باعتباره دليل نجاح ساحق, وكان ذلك يزيده تعاليا ويقينا بأنه النجم الأعلي في سماء الشهرة. وحتي بعد أن وجهت إليه اتهامات بالتحرش الجنسي من خمس سيدات من بينهن زميلات في العمل وشخصيات استضافهن في برنامجه, تعامل أورايلي مع الأمر بذات التعالي. بل إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه أعرب في معرض حديث له عن ثقته في أن أورايلي بريء من هذه الادعاءات. غير أن هذه الاتهامات لم تكن عابرة, بل كانت سببا في طرد أورايلي من شبكة فوكس نيوز التي منيت السنة الماضية بفضائح تحرش جنسي أخري مدوية كان بطلها روجرز ايلز, أحد المشاركين في تأسيس هذا الصرح الإعلامي والذي أسهمت إدارته الحكيمة ورؤاه الثاقبة في نجاح الشبكة وتألق شهرتها. الاستغناء عن أورايلي ومن قبله ايلز وهما في أوج النجومية والنجاح بسبب تهم تحرش أمر يستحق التأمل ويكشف عن عدة حقائق, أولها مدي تفشي التحرش الجنسي في الوسط الإعلامي. مشاهير الإعلاميين والمدراء الأثرياء يتوهمون أن الشهرة والثراء مبررات للتحرش بمن تحلو لهن من السيدات والآنسات. وفي لحظة ما عندما يبدو كل شئ متاحا, تأتي الفضائح الجنسية لتنهي المشوار العملي لهؤلاء الرجال. السقوط المدوي للنجم الساطع يكشف حقيقة ثانية, وهي أن أضواء الشهرة كثيرا ما تعمي العيون فلا يكاد النجم الأسطوري يري أو يشعر إلا بنفسه. فور صدور قرار الاستغناء عن أورايلي أعرب كثيرون من العاملين في القناة عن ارتياحهم للقرار. فالنجم المغرور لم يكن زميلا محبوبا. ثم هناك حقيقة ثالثة مهمة, وهي أنه لايوجد تحت الشمس نجم تليفزيوني لايمكن الاستغناء عنه. فقد جاءت لحظة معينة قررت فيها فوكس نيوز التخلص من نجمها اللامع أورايلي, نجم التليفزيون والإذاعة والصحافة والكاتب والمؤلف الفذ, لأنه صار عبئا ولأن استمراره بعد فضائح التحرش سيكون مصدر خسارة للشبكة التليفزيونية التي تروج لنفسها باعتبارها المدافع عن القيم اليمينية المحافظة. من غير المستبعد أن تكون فوكس نيوز قد أدركت أن فضائح نجمها المتألق المغرور أورايلي هي أفضل فرصة لتحسين صورتها كي تبدو ملتزمة بأقصي المعايير المهنية والأخلاقية, وأفضل توقيت للتخلص من النجم العجوز والبحث عن دماء جديدة وصيغة مبتكرة تتناسب وجمهور القرن الحادي والعشرين.