العمليات النفسية من أخطر أنواع الحروب الموجهة ضد الإنسان, ويطلق عليها الآن حروب الجيل الرابع, وخطورتها تتمثل في أنها تستهدف عقل الإنسان وتفكيره بهدف تقويض روحه المعنوية وبالتالي إحداث تغيرات علي سلوكه وعاداته وتقاليده ومعتقداته, بما يؤدي إلي القضاء علي إرادة المواجهة سيادة روح الاستسلام, والمؤكد ان العمليات النفسية لا تستهدف فقط التأثير علي السلوك الاجتماعي للفرد أو الجماعة, بل إنها تستهدف التأثير علي سلوك الدول, وإحداث تغييرات في مواقفها وأيديولوجيتها. وعلي الرغم من أن العمليات النفسية فرضت نفسها علي البشرية منذ القدم, فإن استخدامها المعاصر أصبح أكثر اتساعا وتعقيدا مع توافر وتطور وسائل الاتصال والتي أمكن بواسطتها الوصول إلي ملايين الأفراد لمحاولة التأثير عليهم وتغيير سلوكهم, وزاد من أهميتها أن القوي العالمية جمدت الصراع المادي كخيار أول, واستعاضت عنه ب العمليات النفسية. وبذلك فإن الحرب الفعلية اليوم أصبحت حربا سيكولوجية شاملة, ويقول رفين روميل, أحد أبرز القادة العسكريين الألمان أثناء الحرب العالمية الثانية, إن القائد الناجح هو الذي يسيطر علي عقول أعدائه قبل أبدانهم. ونستعرض في هذه المساحة الأساليب التي تتبعها الدول أو الجماعات الإرهابية لشن العمليات النفسية, والسياسات المختلفة التي تمكن الدولة من مواجهة هذا النوع من العمليات, سواء من خلال تحصين الجبهة الداخلية, أو من خلال شن عمليات انتقامية ضد الجماعات الإرهابية, أو حتي من خلال شن عمليات نفسية مضادة, وأخيرا اتباع الدولة سياسات استثنائية لمواجهة العمليات النفسية. تعتمد العمليات النفسية علي مجموعة من الأساليب الرئيسة في مقدمتها الدعاية التي تقوم علي استخدام وسائل الإعلام في نشر وترويج الأفكار والمعتقدات والأخبار بغرض التأثير في نفسية المواطنين, وخلق اتجاهات معينة لديهم.. وتستهدف الدعاية التشكيك في المبادئ والمعتقدات وبث الفرقة بين أبناء الوطن الواحد وكذلك بين الحكومة والشعب, بما يؤدي الي تسهيل مهمة الاختراق لتحقيق أهداف العمليات النفسية. ومن بين الأساليب المهمة للعمليات النفسية استخدام الشائعات التي يتم تقديمها بأساليب قابلة للتصديق تتناقل من شخص لآخر, وتعتمد علي المبالغة في أخبار معينة والترويج لها ونشرها علي نطاق واسع, أو خلق أخبار لا أساس لها من الصحة بهدف التأثير علي الرأي العام تحقيقا لأهداف سياسية أو اقتصادية, أو كعامل ضغط لإجبار الدولة علي تنفيذ مخطط خارجي, لذلك فإن الشائعة قد لا تكون معتمدة بشكل كلي علي الخيال, فقد تعتمد علي جزء من الحقيقة من أجل إمكانية تصديقها وتقبلها من الناس.. وتنتشر الشائعات بشكل واسع وبجدوي فاعلة في أوقات الأزمات الاجتماعية والوطنية, حيث تكون العقلية الجماعية مهيأة للتصديق. ويعد افتعال الأزمات وتدبير المؤامرات من الأساليب الرئيسية في العمليات النفسية, التي تؤتي ثمارها بشكل جدي وتأخذ أشكالا سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية, ومنها علي سبيل المثال, خلق الأزمات التموينية أو السلع الرئيسية بما يؤدي إلي إثارة سخط المجتمع. وهناك أسلوب نشر الرعب والفوضي والذي يرتبط بشكل أساسي بالإرهاب بكافة أشكاله, كما يرتبط كذلك بمفهوم التخريب بشقيه المادي والمعنوي, ويعتمد هذا الأسلوب علي انتقاء أهداف محددة سواء أفراد أو منشآت واستهدافها بهجمات إرهابية نوعية لزيادة تأثيرها ومردودها, ثم التوسع في عمليات الدعاية بداية من العمل علي الإيقاع بأكبر عدد من الضحايا مرورا بإعلان جهة معينة مسئوليتها, ووصولا للوعيد والتبرير عملا علي إظهار محدودية قدرات الدولة علي صيانة الأمن العام وتشكيك المواطنين في قدرة مؤسسات الدولة علي المواجهة والدعاية خارجيا للتأثير سياسيا واقتصاديا علي الدولة.