فرصة للشراء.. تراجع كبير في أسعار الأضاحي اليوم الثلاثاء 21-5-2024    مسئولة أممية أمام مجلس الأمن: الكلمات تعجز عن وصف ما يحدث في غزة    مندوب مصر بالأمم المتحدة: العملية العسكرية في رفح الفلسطينية مرفوضة    الاحتلال الإسرائيلي يشن غارات كثيفة شرقي مدينة رفح الفلسطينية جنوبي قطاع غزة    مندوب فلسطين أمام مجلس الأمن: إسرائيل تمنع إيصال المساعدات إلى غزة لتجويع القطاع    بعد اتهامه بدهس سيدتين.. إخلاء سبيل عباس أبو الحسن بكفالة 10 آلاف جنيه    تفاصيل طقس الأيام المقبلة.. ظاهرة جوية تسيطر على أغلب أنحاء البلاد.. عاجل    أحمد حلمي يتغزل في منى زكي بأغنية «اظهر وبان ياقمر»    وزير الصحة: 700 مستشفى قطاع خاص تشارك في منظومة التأمين الصحي الحالي    مفاجأة.. شركات النقل الذكي «أوبر وكريم وديدي وإن درايفر» تعمل بدون ترخيص    مساعد وزير الخارجية الإماراتي: لا حلول عسكرية في غزة.. يجب وقف الحرب والبدء بحل الدولتين    الصحة: منظومة التأمين الصحي الحالية متعاقدة مع 700 مستشفى قطاع خاص    هل يرحل زيزو عن الزمالك بعد التتويج بالكونفدرالية؟ حسين لبيب يجيب    «بيتهان وهو بيبطل».. تعليق ناري من نجم الزمالك السابق على انتقادات الجماهير ل شيكابالا    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024 بالمصانع والأسواق    وزير الصحة: العزوف عن مهنة الطب عالميا.. وهجرة الأطباء ليست في مصر فقط    منافسة أوبن أيه آي وجوجل في مجال الذكاء الاصطناعي    اعرف موعد نتيجة الشهادة الإعدادية 2024 محافظة المنيا    محمود محيي الدين: الأوضاع غاية في التعاسة وزيادة تنافسية البلاد النامية هي الحل    أحمد حلمي يغازل منى زكي برومانسية طريفة.. ماذا فعل؟    «في حاجة مش صح».. يوسف الحسيني يعلق على تنبؤات ليلى عبداللطيف (فيديو)    الطيران المسيّر الإسرائيلي يستهدف دراجة نارية في قضاء صور جنوب لبنان    «بلاش انت».. مدحت شلبي يسخر من موديست بسبب علي معلول    «سلومة» يعقد اجتماعًا مع مسئولي الملاعب لسرعة الانتهاء من أعمال الصيانة    الأنبا إرميا يرد على «تكوين»: نرفض إنكار السنة المشرفة    خط ملاحى جديد بين ميناء الإسكندرية وإيطاليا.. تفاصيل    مبدعات تحت القصف.. مهرجان إيزيس: إلقاء الضوء حول تأثير الحروب على النساء من خلال الفن    مصطفى أبوزيد: احتياطات مصر النقدية وصلت إلى أكثر 45 مليار دولار فى 2018    7 مسلسلات وفيلم حصيلة أعمال سمير غانم مع ابنتيه دنيا وايمي    دونجا: سعيد باللقب الأول لي مع الزمالك.. وأتمنى تتويج الأهلي بدوري الأبطال    سائق توك توك ينهي حياة صاحب شركة بسبب حادث تصادم في الهرم    الاحتلال يعتقل الأسيرة المحررة "ياسمين تيسير" من قرية الجلمة شمال جنين    التصريح بدفن جثمان طفل صدمته سيارة نقل بكرداسة    وكيل "صحة مطروح" يزور وحدة فوكة ويحيل المتغيبين للتحقيق    وزير الصحة: 5600 مولود يوميًا ونحو 4 مواليد كل دقيقة في مصر    "رياضة النواب" تطالب بحل إشكالية عدم إشهار22 نادي شعبي بالإسكندرية    بعد ارتفاعها ل800 جنيها.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي «عادي ومستعجل» الجديدة    ميدو: غيرت مستقبل حسام غالي من آرسنال ل توتنهام    وزير الرياضة يهنئ منتخب مصر بتأهله إلي دور الثمانية بالبطولة الأفريقية للساق الواحدة    موعد عيد الأضحى 2024 في مصر ورسائل قصيرة للتهنئة عند قدومه    دعاء في جوف الليل: اللهم ابسط علينا من بركتك ورحمتك وجميل رزقك    طبيب الزمالك: إصابة أحمد حمدي بالرباط الصليبي؟ أمر وارد    «الداخلية»: ضبط متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي بقصد النصب على المواطنين في الإسكندرية    الدوري الإيطالي.. حفل أهداف في تعادل بولونيا ويوفنتوس    إجازة كبيرة رسمية.. عدد أيام عطلة عيد الأضحى 2024 ووقفة عرفات لموظفين القطاع العام والخاص    إيران تحدد موعد انتخاب خليفة «رئيسي»    كيف أثرت الحرب الروسية الأوكرانية على الاقتصاد العالمي؟.. مصطفى أبوزيد يجيب    أطعمة ومشروبات ينصح بتناولها خلال ارتفاع درجات الحرارة    حظك اليوم برج الميزان الثلاثاء 21-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    سعر الدولار والريال السعودي مقابل الجنيه والعملات العربية والأجنبية اليوم الثلاثاء 21 مايو 2024    على باب الوزير    بدون فرن.. طريقة تحضير كيكة الطاسة    وزير العدل: رحيل فتحي سرور خسارة فادحة لمصر (فيديو وصور)    مدبولي: الجامعات التكنولوجية تربط الدراسة بالتدريب والتأهيل وفق متطلبات سوق العمل    تأكيداً لانفرادنا.. «الشئون الإسلامية» تقرر إعداد موسوعة مصرية للسنة    الإفتاء توضح حكم سرقة الأفكار والإبداع    «دار الإفتاء» توضح ما يقال من الذكر والدعاء في شدة الحرّ    وكيل وزارة بالأوقاف يكشف فضل صيام التسع الأوائل من ذى الحجة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نبوءة جمال حمدان‏:‏
خيار مصر مبارك بين الأسوأ والأكثر سوءا
نشر في الأهرام المسائي يوم 09 - 05 - 2011

إلي شهداء ثورة‏25‏ يناير‏2011‏ إلي أبطال السويس‏,‏المدينة التي حافظت علي شعلة الثورة حتي جمعة الغضب‏.‏ إلي عبد الوهاب المسيري‏,‏ وجمال حمدان‏,‏ ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس‏,‏ ومحمد عفيفي مطر‏,‏ ومحيي الدين اللباد‏,‏ وفاروق عبد القادر‏,‏ ومحمد عودة ومحمد السيد سعيد‏,‏ وغيرهم ممن انتظروا طويلا هذه الولادة الجديدة لمصر.
إلي الرئيس المخلوع حسني مبارك الذي بدأ مقاتلا وانتهي قاتلا‏.‏ لولا عنادك‏,‏
وانتهاجك سياسة الملل لفقدت الثورة كثيرا من روعتها‏.‏
في مثل هذا السياق‏,‏ من التحالف بين السلطة والمال‏,‏ يكون الحمل سفاحا‏,‏ ولا يبدو في الأفق أمل‏,‏ لم يكن جمال حمدان مبالغا‏,‏ ولا متشائما تماما‏,‏ حين سجل في مذكراته الخاصة التي نشرها شقيقه عبدالحميد عام‏2010‏ ان مصر مرشحة‏,‏ في ظل خيارها ليس بين السييء والأسوأ‏,‏ بل بين الأسوأ والأكثر سوءا لتتحول في النهاية من مكان سكن علي مستوي وطن إلي مقبرة بحجم الدولة‏.‏ الرأسمالية الهوجاء مقتل مصر الطبيعية‏.‏
ثلاثون عاما غيرت الرجل‏,‏ تغير قبل اتمام ثلاثة عقود في الحكم‏,‏ تغير منذ نحو خمسة عشر عاما‏,‏ صار الشعب فيها اما شاهدا علي الخراب‏,‏ مغيبا بإرادته او بالإكراه‏,‏ وإما شهيد الدمار‏.‏
وتعددت وسائل الشهادة‏,‏ حيث تراق الأعمار بلا كرامة‏,‏ في زمن اراده مبارك صلدا املس‏,‏ لا يصلح لإنبات عشب‏,‏ ولا تثبت عليه قدم‏,‏ غامت شمس مصر‏,‏ ولانت عظام جيل كامل ادرك انه غير مهيأ للثورة‏,‏ ولا قمر في الأفق‏,‏ ولا أمل في حرية او عدالة‏,‏ إذ وزع خراج مصر أربعة وعشرين قيراطا‏,‏ أربعة عشر للسلطان‏,‏ وستة للأغنياء‏,‏ وأربعة للجند‏,‏ وحين سئل عن نصيب المصريين‏,‏ بعد أن وزعت القراريط أجاب‏:‏ لهم بحمد الله القيراط الخامس والعشرون‏,‏ هو في جنة الخلد‏.‏
كتبت بضع صفحات‏,‏ ثم توقفت‏,‏ كان شقيقي أحمد يعاني وطأة المرض‏,‏ ولا يتاح لي خلو البال للكتابة‏,‏ أخبرت أسامة عفيفي‏,‏ وعاطف سليمان‏,‏ والبهاء حسين‏,‏ ومصطفي عبادة‏,‏ بقصة الكتاب‏/‏ الشهادة‏,‏ البعض قال إن مبارك سيزول عرشه‏,‏ ولا يستحق ان أخصص له كتابا‏,‏ هو كل ما سيبقي منه‏,‏ وحذرني آخر‏,‏ واستحلفني بالله الا أفعل‏,‏ فالرجل أسد عجوز‏,‏ لن يتورع عن الانتقام‏,‏ وابنه شرس‏,‏ لا يتسامح ولا يقبل لنا شهادة أبدا‏,‏ وقالت لي سوسن بشير‏,‏ بعد أن صمتت صمتا جميلا‏:‏ أكتب ودعني أقرأ بعد الانتهاء‏,‏ كانت تتابع معي تطورات مرض أخي‏,‏ حتي انها نبهتني وأنا في الإسكندرية‏,‏ يوم‏2010/9/21‏ ان اقرأ اعلانا في صفحة‏15‏ في‏(‏ الأهرام‏),‏ عن وصول خبير في سرطان العمود الفقري‏,‏ إلي مستشفي بالقاهرة‏,‏ ومن الإسكندرية اتصلت بالمستشفي وحجزت موعدا‏,‏ ثم أرسلوا لي رسالة علي تليفوني يوم‏30‏ سبتمبر بتغيير الموعد‏:‏ نحيط علم سيادتكم بأنه تغير موعدكم مع د‏.‏ اندرياس فيدنر خبير جراحة العمود الفقري‏,‏ السبت‏2010/10/2‏ ليصبح موعدكم الساعة‏10‏ صباحا مع الانتظار‏.‏
ماذا أقول لابنتي ياسيادة الرئيس؟
كنت قد سجلت في الصفحات التي كتبتها انني لم يسبق لي التصويت علي اختيار مبارك رئيسا للبلاد‏,‏ لا هو يعنيه ذلك‏,‏ ولا أنا أبالي بمدي تأثير صوتي علي نسبة يخطط لها سلفا‏,‏ لكنه ظل رئيسا دستوريا‏,‏ وهناك خط دقيق يفصل بين الدستوري والشرعي‏,‏ فهو رئيسي‏,‏ رئيس كل المصريين دستوريا ولهذا خاطبته ذات مرة‏,‏ في رسالة بصيغة السؤال‏:(‏ ماذا أقول لابنتي يا سيادة الرئيس؟‏)‏ ونشرت الرسالة في صحيفتي‏(‏ الدستور‏)‏ المصرية‏(2007/3/28),(‏ القدس العربي‏)‏ اللندنية‏(2007/4/4)‏ وظننت الرئيس لا يقرأ الصحف‏,‏ فحروفها صغيرة‏(‏ بنط‏10‏ أو‏11‏ أبيض‏)‏ وصفحاتها ترهق عضلات الذراعين‏,‏ في قراءتها شيء من العناء لمن يقتربون من الثمانين‏,‏ فما بالنا وهو قد تجاوز الثانية والثمانين من عمره المديد؟ بعدها لم أفكر في كتابة رسالة أخري‏,‏ لأن البريد الرئاسي‏,‏ مثل الطعام الرئاسي‏,‏ لابد أن يعرض علي متذوقين‏,‏ في إدارة شئون الرئاسة‏,‏ ثم اضطررت ان أوجه اليه بضعة أسطر‏,‏ عبر صحيفتي‏(‏ صوت الأمة‏)‏ المصرية‏(2009/3/9)‏ و‏(‏القدس العربي‏)(2009/3/24),‏ في مقال عنوانه‏(‏ أربع نصائح قبل أن تركب سيارة الترحيلات‏),‏ تتعلق بحوار قصير دار بين الخليفة العباسي المستعصم وهولاكو حين احتل بغداد‏(‏ عام‏1257‏ ميلادية‏,655‏ هجرية‏),‏ وأكاد أجزم انه لم يقرأ الرسالتين‏,‏ وأن بعض الأيدي الشريرة لا تضع الصحف علي مكتبه‏,‏ وشغلته عن قراءة المقالين بأمر أقل أهمية‏,(‏ انظر ملاحق الكتاب‏)‏ ثم اهتديت إلي وسيلة أخري‏,‏ هي هذا الكتاب الذي يقدر شيخوخة الرئيس‏,‏ وحين يقلب صفحاته‏,‏ لن يحتاج إلي طقوس بروتوكولية في توصيله إليه‏,‏ بل يمكن لصديق ان يقدمه إليه‏,‏ او لمسئول يريد ان يدلل له علي مدي ما بلغته صناعة الكتاب من جودة ان يستشهد به‏,‏ ولم تخال عليه الحيلة‏,‏ وسيعلم ان المقصود أكبر من حكاية الجودة وان وراء الأكمة ما وراءها‏.‏
وإذا سألني‏:‏ لماذا هذا الكتاب‏(‏ كلام الرئيس‏..‏ قبل الوداع‏)‏ الآن؟ سأجيب‏:‏ ولم لا يكون الآن؟
الآن الآن وليس غدا‏,‏ اليوم توشك الدائرة علي الاكتمال‏,‏ دائرة الحياة‏,‏ ودائرة التجربة‏,‏ فما لم يتم انجازه في ثلاثين عاما‏,‏ حين كان في العمر متسع‏,‏ وفي الصحة الجسدية والعقلية بقية‏,‏ يصعب اتمامه في الرمق الأخير‏,‏ وقد طالت سنوات الاحتضار‏,‏ أكثر من عشر سنوات‏,‏ وأنا أشعر بضجر المجهول في تململه‏,‏ وأسمع انين جنين لا تريد الأقدار له أن يخرج‏,‏ اري الدعامات تتهاوي‏,‏ وتعجز الجدران عن حمل عبء ثقيل‏,‏ والسقف يرفض أن يخر علينا من فوقنا‏,‏ لكنه يظل لعنة‏,‏ تهدد بالسقوط ولا تسقط‏,‏ فيقتلنا الخوف ألف مرة‏.‏
إهداء دولة لإرضاء
نزوة ابن لا يقرأ
وكنت قد خاطبته في صفحات الكتاب الذي لم يتم‏:‏ قدرت أن ابنك جمال لم يقرأ الرسالة‏,‏ ليس تأدبا لانها موجهة إلي أبيه‏,‏ والابن البار لا يتلصص علي رسائل أبيه‏,‏ حتي المنشور منها في الصحف‏,‏ وانما لانه غير معني بما هو عربي‏,‏ هو معني بما يكتبه عنه الخواجات‏,‏ معني بالصورة‏,‏ والصورة ليست حلوة‏,‏ فشلت أكثر من عشر سنوات في أن يصير مهضوما‏,‏ كيف يهضمه الناس وفي نفوسهم غصة‏,‏ المثقفون وبقايا الطبقة المتوسطة يرون وجوده في الصورة إهانة لفكرة الدولة الحديثة التي تعب في تأسيسها رفاعة الطهطاوي‏,‏ وللدستور الذي كان حلما في ظل الاحتلال‏,‏ ثم أصبح مطية ارضاء لنزوة ابن لا يقرأ‏,‏ ولا يريد ان يقتنع بأنه غير مرغوب فيه‏,‏ والفقراء وأبناء السبيل يرفضون أن يكونوا من المؤلفة قلوبهم‏,‏ لو كان التأليف عن طريق شاب لم تطأ قدماه الأسفلت‏,‏ ولم ير الفقراء الا في أفلام الأبيض والأسود‏,‏ لا أعترض علي حقه في أن ينصب رئيسا‏,‏ ولكن بعد حين‏,‏ حين يكون ما يحصل عليه من حقوق هو نصيب ابناء جيله‏.‏
كتبت للرئيس‏:‏ قلت مرة انه يساعدك في بعض المهام‏,‏ فماذا لو أخطأ وهو غير ذي صفة؟ هذه اهانة للعقل وإهانة لمن حملوك الأمانة فأبيت ان تحملها وإعادة الدولة الي فكرة العزبة والقرية‏,‏ حيث لا فرق كبيرا بين الخاص والعام‏,‏ أنت منا‏,‏ تعب ابواك‏,‏ ولم تخطط لانتزاع حق ليس لك‏,‏ كنت قنوعا بالمال والبنين‏,‏ ثم زادك الله بسطة في الرزق‏,‏ مليون كليومتر مربع من الأرض والسماوات والمياه الإقليمية‏,‏ ولكن ابنك ليس منا‏,‏ وإذا كنت تحبه‏,‏ فكيف لا تخاف عليه؟ لماذا لا تحسم الأمر‏,‏ وتنهاه عن هذه الثمرة؟ التوريث ثمرة معطوبة‏,‏ سري فيها سم لا يجدي معه علاج ولا إصلاح‏,‏ بل نسف الأسس الفاسدة‏,‏ او قل وأنت فلاح منا‏:‏ مصر الآن ثمرة مشمومة‏,‏ خاض فيها كثيرون‏,‏ وأصبحت منظورة‏,‏ وليست لعبة يتلهي بها‏,‏ سوف تحرق أصابعه‏,‏ ولا يتمكن من الإحاطة بها علما‏,‏ فيلقيها غير عابيء علي من تقع‏,‏ واي تدمير سيترتب علي سلوك غير مسحوب‏,‏ وسوف تسأل عن هذا أمام التاريخ‏,‏ بمناسبة التاريخ لا يحتاج عبدالناصر إلي كثير من الدفاع عن سجله‏,‏ ولم يدع أحد الناصريين إلي إعادة الاعتبار إلي عبدالناصر ولكن بيننا من يدعون إلي إعادة الاعتبار للسادات والشعب لا يصدق‏,‏ فماذا سيقول الناس عنك؟ قل إن عبد الناصر كان دكتاتورا‏,‏ ولكن ضميرك سينبهك إلي أنه في المجمل نموذج للوطني المتطرف‏,‏ وليس أكثر من الرومانسي تطرفا‏,‏ كأنه خارج من أسطورة قديمة‏,‏ سجلها الإمام محمد عبده حين أرسل إلي مجلة الجامعة العثمانية‏,‏ في مايو‏1899,‏ مقالا عنوانه‏(‏ إنما ينهض بالشرق مستبد عادل‏)‏ يتساءل فيه‏:‏ هل يعدم الشرق كله مستبدا من أهله عادلا في قومه يتمكن به العدل ان يصنع في خمس عشرة سنة ما لا يصنع العقل وحده في خمسة عشر قرنا‏,‏ بتقشف الزاهدين‏,‏ بني عبدالناصر دولة تفرط أنت فيها‏,‏ وتبيعها قطعة قطعة‏,‏ كأن الرجل الذي قصف عمره في الثانية والخمسين تعب في اقامة هذا المؤسسات لتقدم من بعده هدية‏,‏ غير مشروطة‏,‏ إلي متعطشين للمال‏,‏ في دولة تكاد تتحول إلي شركة استثمارية تتعرض للنزيف الدائم‏,‏ مضي عبدالناصر‏,‏ وجاء السادات‏,‏ كأنه قادم من مجاعة‏,‏ يعاني سعارا للملذات‏,‏ ومن المفارقات ان رجالا ارستقراطيين‏,‏ أو قل لا ينتمون إلي الفقراء‏,‏ مثل إسماعيل صبري عبدالله ومحمود أمين العالم‏,‏ اعتقلهما عبدالناصر‏,‏ ثم استوزر السادات اولهما‏,‏ ولكنهما ظلا يقسمان بعبد الناصر‏,‏ ويتهمان السادات بأقسي ما يمكن ان يتهم به حاكم‏.‏
توقفت عن الكتابة‏,‏ وكان أخي يتألم‏,‏ كنا نتألم أكثر منه‏,‏ كان جرحنا أكثر عمقا‏,‏ وهو في غيبوبة‏,‏ ونحن والأطباء عاجزون عن فعل شيء‏.‏
وفي صباح يوم الاثنين‏2010/11/29,‏ بعد يوم واحد من انتخابات مجلس الشعب‏,‏ أيقظني هاتف‏,‏ ايقنت انها النهاية‏,‏ كنت قد استعددت للسفر إلي القرية‏,‏ وبسرعة كتبت في صفحتي علي الفيس بوك‏.‏
أخي أحمد توفي‏,‏ كانت المعاناة طويلة‏,‏ والمرض شاقا‏,‏ والغيبوبة تشير بأصابع الاتهام بإدانة منظومة او شخص‏,‏ ليكن هذا بلاغا للرأي العام‏,‏ ضد سياسات الرئيس الدستوري الدستوري لا الشرعي حسني مبارك‏,‏ وضد ابنه جمال الحاكم الفعلي للبلاد‏,‏ وضد شهود الزور والكهنة‏:‏ فتحي سرور ومفيد شهاب وعلي الدين هلال وغير المأسوف علي إبعاده أسامة الباز‏..‏ والسيد يسين وجابر عصفور‏.‏
المستبد‏..‏ صناعة الشعب
زادني موت أخي اصرارا علي إتمام الكتاب‏,‏ وكان هناك مد كاسح‏,‏ بعد أن صدق الرئيس وابنه واللصوص المتسلحون بالثروة والسلطة والحصانة البرلمانية تمثيلية الانتخابات‏,‏ واحسست ان النهاية وشيكة‏,‏ راجعت كتاب زهير الجزائري‏(‏ المستبد‏..‏ صناعة قائد صناعة الشعب‏)‏ وتابعت كيف تمكن صدام حسين‏,‏ في وقت مبكر‏,‏ من تشكيل مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة‏,‏ ولكنها أكثر قوة فهي بعيدة عن الواجهة‏,‏ وكيف اعتمد في صعوده الكاسح هذا علي قيادته لأجهزة الأمن في دولة اعتبرت الأمن هاجسها الأول وتمكن من تهميش المؤسسات الرسمية‏,‏ حيث أصبح مكتب العلاقات يقابل الأمن والمخابرات‏.‏ ومكتب الثقافة والإعلام يقابل وزارة الثقافة والإعلام‏,‏ ولجنة شئون النفط مقابل وزارة النفط‏,‏ والمكتب العسكري يقابل وزارة الدفاع‏,‏ وتركز عمله علي تصفية تدريجية وسريعة لكل العناصر التي يشك في ولائها‏.‏ ثم جاء عدي ليكرر سيرة والده صدام‏,‏ فبدأ بتأسيس نادي الرشيد الرياضي عام‏1985,‏ وفي العام التالي خطا نحو المراكز القيادية من خلال اللجنة الأوليمبية‏,‏ حيث رشح نفسه‏,‏ لرئاسة اللجنة مقابل وزير الشباب فيصل الشاهر‏,‏ ونال‏21‏ صوتا‏,‏ هي كل أصوات اللجنة‏,‏ ولم يفز الوزير بأي صوت‏,‏ حتي صوته هو‏.‏
ثم بدأ إذعان القادة الحزبيين والحكوميين لسلطة الابن البديلة عن سلطة الحزب والدولة ويستكمل هذا الإذعان رسميا بكتاب من مجلس قيادة الثورة ينص إلزام القيادات الرسمية والحزبية بمخاطبة عدي صدام حسين بلقب أستاذ‏,‏ وهو اللقب نفسه الذي كان يطلق علي مؤسس الحزب ميشيل عفلق‏.‏
وكان مثقفو جمال مبارك يطلقون عليه لقب أستاذ أيضا‏.‏
لكن الأستاذ جمال كان لقبا له لقب كودي هو الجنتل‏.‏ قبل نحو عشر سنوات‏,‏ شارك عبد الرازق عيد في دورة لإعداد القادة‏,‏ وفي اليوم الأخير أبلغوهم أن الرئيس سيحضر حفل الختام‏,‏ وكان لعبد الرازق صديق سيناقش رسالته في تلك الليلة‏,‏ وناضل كثيرا ليتمكن من الخروج من المعسكر‏,‏ ولم يكن الخروج سهلا‏,‏ لأن الدخول بعد انتهاء مناقشة الرسالة شبه مستحيل‏,‏ ولكنه كتب تعهدا بأنه لن يهرب‏,‏ وسيأتي مباشرة عقب المناقشة‏,‏ وقد أعد المكان لاستقبال الرئيس‏,‏ ثم فوجيء في اللحظة الأخيرة أن التشريفة الرئاسية لن تكون للرئيس مبارك‏,‏ بل للرئيس الفعلي‏.‏ كانوا يسمونه الجنتل‏.‏ وكنت أطلق عليه الواد أو الولد‏,‏ كان هذا بالطبع بيني وبين أصدقاء‏,‏ أو زملاء بعضهم مسئول عن متابعة مؤتمراته وحركاته وأحلامه وأوهامه‏,‏ لصحيفة الأهرام المسائي التي أعمل فيها منذ عام‏1991,‏ وكنت أقسم لهم بالله أن الولد لن يحكم‏..‏ لن يسمح بهذا الجيش ولا الشعب الذي يمكن أن يثور ثورة يحرق فيها الوطن ومؤسسات الدولة‏,‏ قلت هذا الكلام لهيثم الزبيدي‏,‏ حين قابلته في ليلة صيف‏2010.‏
رهان علي الجيش
كان هيثم قادما من لندن‏,‏ وغادر مطار القاهرة‏,‏ بضع ساعات‏,‏ قبل أن يواصل رحلته‏,‏ قابلته في شارع الجلاء في صحبة عاطف سليمان‏,‏ بعد منتصف الليل‏,‏ ولم يكن لدي يقين في شيء‏.‏ في‏(‏ الجريون‏)‏ أبدي هيثم أسفه‏,‏ في حضور محمد الحمامصي‏,‏ علي ما بلغه حال مصر اقتصاديا وتعليميا من ترد لا مثيل له‏.‏ كان حزينا يتمني لمصر مكانة تليق بتاريخها ودورها‏,‏ وأخبرته أن هذا شأن أي بلد يحكمه رئيسان‏,‏ أحدهما دستوري‏,‏ عاجز بحكم السن‏,‏ يحتاج إلي فريق من الأطباء بصفة دائمة‏,‏ والآخر شاب أهوج غير دستوري‏,‏ يتخيل مصر مجرد شركة‏,‏ ويطمح إلي الحصول علي توكيل بالحكم من سادته في واشنطن‏,‏ ولا أحد في مصر يعلم من سيكون الرئيس غدا‏,‏ إلا إذا رحمنا الله‏,‏ وأراحنا شر قلق استمر عشر سنوات‏,‏ أريقت فيها أطنان الأحبار‏,‏ واستهلكت أطنان الأوراق‏,‏ وألوف الساعات من الكلام في الفضائيات والندوات والنقاشات العامة والمغلقة‏.‏ ثم قلت له وأنا أتحامل علي نفسي في الخروج من الجريون‏,‏ وأتمايل قليلا مع نسمات الصيف في شارع قصر النيل‏:‏ الولد‏!‏ غير مسموح له بحكم مصر‏,‏ مستحيل أن يرضي الجيش بهذا‏,‏ الجيش المصري جيش قتالي محترف‏,‏ وطني وليس جيش الحزب كما هو الحال في دولة البعث‏.‏ وبعد‏(‏ جمعة الغضب‏)2011/1/28,‏ ذكرني هيثم الزبيدي بقولي‏:‏ الولد‏!‏ غير مسموح له بحكم مصر‏.‏ وقال في رسالة قصيرة‏:‏ كان تحليلك الصيف الماضي بمحله‏,‏ وحين قابلته‏,‏ في أبو ظبي بعد نجاح الثورة‏,‏ اعترفت بأن كلامي كان أقرب إلي أمنية‏,‏ ولم أكن أملك عليه دليلا‏,‏ إلا الحس التاريخي‏,‏ ورهاني علي أن مصر أكبر من أن تختزل في شخص‏,‏ وأكبر من أن تصبح شركة استثمارية‏.‏
سجلت في الكتاب‏/‏ الشهادة بعضا من ألف ليلة‏.‏ تروي الليلة الخامسة والأربعون‏(‏ حكاية الملك عمر بن النعمان وابنيه شركان وضوء المكان‏)‏ وميلاد نزهة الزمان شقيقة ضوء المكان‏,‏ وفي الليلة الثالثة والخمسين يسافر ضوء المكان وأخته نزهة الزمان من بغداد‏,‏ إلي الحج‏,‏ وبعد قضاء المناسك‏,‏ يقترح عليها زيارة بيت المقدس‏,‏ وهناك يفترقان‏,‏ ويحزن ضوء المكان علي اختفاء أخته‏,‏ ويغيب عن الوعي‏,‏ ويحمله جمال ويلقيه في مزبلة مستوقد حمام‏,‏ ويفاجأ به وقاد الحمام‏,‏ ويشفق عليه ويحمله إلي بيته‏.‏ ثم يتوج ضوء المكان ملكا‏,‏ وينشغل بمعاركه‏,‏ ويغيب عن الوطن ثم يعود في الليلة السابعة والثلاثين بعد المئة‏,‏ ويطلب الوقاد الذي غلظ وسمن من الأكل والراحة‏,‏ ويسأله الأخير‏:‏ من الذي عملك سلطانا‏,‏ ويخبرونه بالأمر‏,‏ ويقولون له‏:‏ إذا قال لك‏(‏ الملك ضوء المكان‏)‏ تمن علي‏,‏ فلا تتمن إلا شيئا عظيما‏,‏ لأنك عنده عزيز‏,‏ ولكن سقف طموح الوقاد كان مخيبا لآمال الملك والحاشية‏:‏ فقال له‏:‏ أتمني علي الله ثم عليك أن تكتب لي مرسوما بعرافة جميع الوقادين الذين بمدينة القدس‏.‏ فضحك السلطان وجميع من حضر‏,‏ وقال له‏:‏ تمن غير هذا‏.‏
قال‏:‏ ياسيدي أنا ما قلت لك إني أخاف أن أتمني شيئا لا تسمح لي به‏,‏ أو لاتقدر عليه‏.‏ فلكزه الوزير ثانيا وثالثا‏..‏ فقال‏:‏ أتمني عليك أن تجعلني رئيس الزبالين في مدينة القدس‏,‏ أو في مدينة دمشق‏.‏ فانقلب الحاضرون علي ظهورهم من الضحك عليه‏,‏ وضربه الوزير‏,‏ فالتفت الوقاد إلي الوزير‏,‏ وقال له‏:‏ إيش تكون حتي تضربني وما لي ذنب‏,‏ فإنك أنت الذي قلت لي‏:‏ تمن شيئا عظيما‏,‏ ولكن المصادفة التاريخية تجعل الوقاد‏,‏ محدود الخيال والطموح‏,‏ الملك المجاهد المسمي الزبلكان‏.‏
قارنت ذلك باعتراف مبارك لعماد الدين أديب‏,‏ عام‏2005‏ في التليفزيون الحكومي المصري‏,‏ أنه كان حتي عام‏1975‏ يحلم أن يكون سفيرا في لندن‏,‏ علشان بلد الإكسلانسات‏,‏ لم يكن يتوقع منصبا آخر‏.‏ وفي كتاب‏(‏ كلمة للتاريخ‏)‏ الذي طبعته دار المعارف في العام نفسه‏,‏ وضم تلك الأحاديث‏,‏ يقول مبارك‏:‏ لم يكن لي طموح سياسي‏,‏ ولم يخبرنا مؤلفو ألف ليلة وليلة عن مصير دمشق علي يد الملك الزبلكان‏.‏ قال محمود صبرة إن مبارك لم يكن يحب القراءة‏,‏ ولم يطلب أي كتاب ليقرأة طوال‏18‏ عاما هي فترة عمله في مكتب رئيس الجمهورية‏.(‏ الوفد‏2011/2/24).‏
طموح الوزير الزبلكاني
كادت مصر تفيق من صدمة الزبلكان بمنصب يفوق خياله‏,‏ علي كارثة أكثر خطورة‏,‏ كادت تنتقل من الخمول الزبلكاني‏,‏ إلي حماقة الجنتل‏,‏ الذي ظل يحكم البلاد أكثر من عشر سنوات‏,‏ إذ بدأ برنامج صنع الوريث في نهاية التسعينيات‏,‏ فمن كل تقرير يقدم للرئيس تقدم نسخة أخري إلي الجنتل‏,‏ وبعد خروج الأوراق من مكتب الرئيس تعرض علي الجنتل‏.‏ هذا بالضبط ما فعله فوزي فهمي مع مندوب مبيعات اسمه أنس الفقي‏,‏ كان واحدا من أولئك الشبان الذين يضايقونك وأنت تدخل معرض القاهرة للكتاب‏,‏ ويقدمون إليك عروضا‏,‏ حتي تضطر للقبول‏,‏ تخلصا من اللزوجة والابتسامة الممنوحة لأي عميل‏,‏ فتشتري موسوعة أو كتابا بالتقسيط‏,‏ ثم يمر عليك أنس الفقي في المنزل لتحصيل القسط الشهري‏,‏ ولكنه عرف السكة‏,‏ وصدرت التعليمات أن أصنعوا له تاريخا‏,‏ قبل أن يصير وزيرا‏,‏ لا يهم الوزارة‏,‏ بل الأهم أن يكون وزيرا والسلام‏.‏ وظلت سيرته الذاتية في الموقع الإلكتروني لوزارة الإعلام تسجل أنه كان ناشرا‏,‏ ثم تولي رئاسة الهيئة العامة لقصور الثقافة‏.‏ جاء إلي هيئة قصور الثقافة عقب فترة انتقالية‏,‏ أديرت فيها الهيئة بواسطة فوزي فهمي‏,‏ أكبر كهنة الثقافة‏,‏ وأقام الننوس نحو ثلاثة أشهر‏,‏ في بيت كاهن دربه علي الإدارة‏,‏ ومعه ماكيت بمكاتب الهيئة وأبرز مسئوليها‏,‏ وملفات عن كل منهم‏,‏ وطباعه الشخصية‏,‏ وردود أفعاله‏,‏ وعلاقاته بزملائه‏.‏ نسخة الفقي من التقارير والمراسلات البوسطة أهلته للتعامل مع قيادات محترفة في هيئة عتيقة‏,‏ تعلم كيف يكون التعامل الرشيد علي يد الكاهن‏,‏ وحين دخل الفقي الهيئة كاد يخبر كلا منهم بما أنفقت يمينه حيث لا تعلم شماله‏,‏ وأسقط في أيديهم‏,‏ وكادوا يظنونه أحد أولياء الله الصالحين‏,‏ ثم صعد إلي وزارة الشباب‏,‏ ومنها إلي الإعلام‏.‏
لكن الله أنزل غضبه علي الجنتل‏.‏ تدعو كل أم مصرية لأي من أبنائها‏:‏ ربنا يحبب فيك خلقه‏,‏ فينزل الله محبة الابن في قلوب من يرونه‏,‏ ولكن غضب الله كان يطل من ملامح وجه جمال مبارك‏,‏ حتي فشلت كل محاولات تقديمه الي الناس‏.‏ لم أسامح أسامة الباز الذي أسهم في صنع الجنتل‏,‏ كما قام من قبل بالتوعية السياسية لأبيه حسني القادم فجأة إلي عالم السياسة نائبا للسادات‏,‏ ثم انتهي به الأمر مبعدا غريبا كصالح في ثمود‏,‏ ولم تسعدني زيارته ميدان التحرير يوم الاثنين‏2011/2/7.‏ قال لي أستاذ في كلية الإعلام بجامعة القاهرة‏(‏ الكلية التي تخرجت فيها وأغار عليها‏),‏ إنه أصيب بالذهول‏,‏ حين سمع جمال ينادي الباز في ندوة بالكلية قائلا‏:‏ يا أسامة‏.‏ كانت الجامعة ضيعة جمال‏,‏ وساحة خلفية يطل منها علي الطلبة كلما أراد أن يستعرض مهاراته المحدودة‏,‏ وخصصت الجامعة إحدي بناياتها لجمعية‏(‏ جيل المستقبل‏)‏ برئاسة جمال‏.‏ لم يعترض الباز علي أن يناديه الولد باسمه الاول مجردا‏,‏ وسبق أن أصبت بالدهشة نفسها‏,‏ يوم‏2004/1/18,‏ حين افتتح متحف جمال عبد الناصر في القرية الفرعونية المقامة علي جزيرة في نهر النيل‏.‏ نادته مني عبد الناصر‏:‏ يا أسامة‏,‏ ولكن دهشتي انتهت سريعا‏,‏ فالباز زميل حاتم صادق زوج هدي عبد الناصر‏,‏ هو أحد أفراد العائلة تقريبا‏,‏ ولكن جمال ليس من حقه أن يناديه باسمه مجردا‏,‏ من المؤكد أنه ناداه كثيرا‏:‏ كثيرا‏:‏ ياعمو‏,‏ أو يا أونكل‏.‏ كان أحمد حسنين رائد ولي عهد مصر فاروق‏,‏ الغلام كان يضيق بصرامة عزيز المصري‏,‏ واستراح إلي سعة صدر الثعلب أحمد حسنين‏.‏ ثم أصبح فاروق ملكا‏,‏ وحسنين رئيسا للديوان الملكي‏,‏ وكان يناديه‏:‏ يا حسنين‏,‏ وكبر جمال مبارك‏,‏ ولم يعد أونكل أسامة الباز رائدا ولا معلما‏,‏ بل أصبح مجرد أسامة‏.‏
راجعت مذكرات إسماعيل فهمي وزير الخارجية الذي استقال اعتراضا علي زيارة السادات لإسرائيل‏,‏ وكان الباز مديرا لمكتبه‏,‏ سجل فهمي أن الباز قال‏,‏ حين علم أن السادات ينوي زيارة القدس‏:‏ هذا جنون‏,‏ لاشك أن الرجل‏(‏ السادات‏)‏ غير متزن‏.‏ لا بد من منعه حتي لو استعملنا القوة‏.(‏ التفاوض من أجل السلام في الشرق الأوسط‏).‏ قصصت علي عبدالوهاب المسيري كيف نادي ابن الرئيس صاحبه الباز‏,‏ باسمه مجردا‏,‏ أمام الناس‏,‏ ومنهم من كظم غيظه‏,‏ وأسف علي ما انتهي إليه رجل يمشي في الاسواق‏,‏ ويرونه بينهم في مترو الأنفاق‏.‏ رجوته أن ينصح صاحبه القديم ألا يهين نفسه‏,‏ ثم سألته‏:‏ ما الذي يبقي من صاحبك الباز بعد أن يموت‏,‏ أو يغادر وظيفته بسنتين؟ فضحك المسيري بأسي‏,‏ وقال‏:‏ أنت متفائل‏,‏ قل ماذا يتبقي منه بعد شهرين؟
ولكن الولد وأمه كانا يعاملان الوزراء من فوق‏,‏ هم مماليك السلطان‏,‏ وهو وريث السلطان‏,‏ وهي زوجة سلطان وأم سلطان‏,‏ حتي مكرم محمد أحمد نقيب الصحفيين‏,‏ الذي كتب خطابات مبارك بضع سنوات‏,‏ وكان مبارك الأب يناديه أمام الناس باحترام أستاذ مكرم‏,‏ عامله الولد من فوق‏,‏ وناداه باسمه مجردا‏,‏ يامكرم أمام الصحفيين في ندوة بدار الهلال‏,‏ وصرخ جرجي زيدان من الغيرة علي الدار التي أسسها في القاهرة‏,‏ وكيف آلت إلي رجل يتشاجر مع الهواء الطائر‏,‏ لكنه في اختبار الولد لرد فعله‏,‏ لم يبد أية غيرة علي تاريخه‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.