جاءت الشريعة الإسلامية كغيرها من الشرائع لحماية مصالح معتبرة, وبالحفاظ عليها ورعايتها قوام الدنيا بمن فيها وما فيها وهذه المصالح عبارة عن ضروريات, أو كليات خمس هي الدين والنفس والعرض( النسل) والعقل والمال , وغض البصر هو حماية العرض من الابتذال, أو الامتهان, أو الانتهاك وقد قال تعالي قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون(30) وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن(31) النور. والبصر هو الباب الأكبر إلي القلب وأعمر طرق الحواس إليه, وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه, وغض البصر واجب عن جميع المحرمات وكل ما يخشي الفتنة من أجله, وقال صلي الله عليه وسلم لعلي: لا تتبع النظرة النظرة فإنما لك الأولي وليست لك الثانية وروي الأوزاعي قال: حدثني هارون بن رئاب أن غزوان وأبا موسي الأشعري كانا في بعض مغازيهم, فكشفت جارية فنظر إليها غزوان, فرفع يده فلطم عينه حتي نفرت أي ورمت- فقال: إنك للحاظة إلي ما يضرك ولا ينفعك فلقي أبا موسي فسأله فقال: ظلمت عينك فاستغفر الله وتب, فإن لها أول نظرة وعليها ما كان بعد ذلك. قال الأوزاعي: وكان غزوان ملك نفسه فلم يضحك حتي مات رضي الله عنه. وفي صحيح مسلم عن جرير بن عبدالله قال: سألت رسول الله صلي الله عليه وسلم عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري. د. هشام الجنايني: من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم جعل الإسلام عقوبته وخيمة يقول الدكتور هشام السيد الجنايني بكلية الشريعة والقانون بطنطا: لقد أنعم الله علي الإنسان بنعم كثيرة لا تعد ولا تحصي قال تعالي: وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها, وكمن أجل هذه النعم نعمة البصر قال تعالي: قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون, والبصر من النعم التي سيسأل عنها الإنسان قال تعالي: ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا, فكل منا محاسب ومسئول عن بصره فيما استخدمه؟, هل أبصر به ما أحله الله وأباحه له أم أطلق العنان لبصره فنظر إلي كل ما حرم الله؟, كما ان هذه النعمة تستوجب شكر الحق سبحانه وتعالي عليها قال تعالي: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون. وقد ارشدنا الحق سبحانه وتعالي إلي أمر فيه حفظ لهذه النعمة الكبري وفي نفس الوقت فيه شكر للمنعم جل وعلا ألا وهو غض هذا البصر عن المحرمات فقال تعالي: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون وكما خاطب الرجال خاطب النساء بنفس الأمر فقال تعالي: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن. فيجب علي كل مسلم ومسلمة غض البصر عن كل ما حرم الله, فلا ننظر إلا إلي ما أبيح لنا النظر إليه, فيحرم النظر إلي العورات ففي الحديث الحسن: لا ينظر الرجل إلي عورة الرجل, ولا تنظر المرأة إلي عورة المرأة, انظر النظر إلي العورات محرم إذا اتحد جنس الناظر والمنظور إليه, فما بالك لو اختلف الجنس؟؟!! فالحرمة أشد. ويؤكد الجنايني أن الإسلام أمرنا بالاستئذان قبل الدخول إلي بيوت الآخرين من أجل غض البصر وحفظه فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: إنما جعل الاستئذان من أجل البصر; بل جعل الإسلام عقوبة من أطلع في بيت قوم بغير إذنهم وخيمة فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقئوا عينه ومن ابتلي منا بنظر الفجأة أمره نبيه صلي الله عليه وسلم أن يصرف نظره فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت النبي صلي الله عليه وسلم عن نظر الفجأة؟ فأمرني أن أصرف بصري, وقيل للحسن البصري: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن, قال: اصرف بصرك وتلا قوله تعالي: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم. فإطلاق كل واحد منا العنان لبصره فينظر به إلي المحرمات والعورات لهو سبب لكل مصيبة ابتلينا بها في مجتمعاتنا ولله در القائل: كل الحوادث مبدأها من النظر........ومعظم النار من مستصغر الشرر كم نظرة بلغت من قلب صاحبها.....كمبلغ السهم بلا قوس ولا وتر وقد أرشد الحبيب صلي الله عليه وسلم الشباب إلي الوسيلة التي تساعدهم علي حفظ أبصارهم وغضها عن كل ما حرم الله فقال صلي الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. د. فتحي عثمان: يورث الحكمة ويزكي النفس ويطهرها وعن آثار غض البصر الإيجابية يقول الدكتور فتحي عثمان الفقي الأستاذ بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر وعضو لجنة الفتوي الرئيسية بالجامع الأزهر أنه أطهر في الدين وأبعد من دنس الأنام, وإلا فإن الله خبير أي عالم بما يصنعون وهذا تهديد ووعيد من الله العزيز الحكيم, وفي الخبر النظر سهم من سهام إبليس مسموم فمن غض بصره أورثه الله الحلاوة في قلبه وقال مجاهد: إذا أقبلت المرأة جلس الشيطان علي رأسها فزينها لمن ينظر, فإذا أدبرت جلس علي عجزها فزينها لمن ينظر. وعن خالد بن أبي عمران قال: لا تتبعن النظرة النظرة فربما نظر العبد نظرة نغل- النغل( بالتحريك): الفساد. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول إن الله كتب علي ابن آدم حظه من الزني أدرك ذلك لا محالة فالعينان تزنيان وزناهما النظر.... ويشير د. الفقي إلي أن فوائد غض البصر أنه طاعة لله تعالي الكبير المتعال الذي أمر بغض البصر فقال: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكي لهم إن الله خبير بما يصنعون* وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن{ النور:30-311} كذلك أنه طاعة لرسول الله صلوات ربي وسلامه عليه القائل: لا تتبع النظر النظرة, فإن لك الأولي وليس لك الآخرة رواه أبو داود والترمذي. وأن غض البصر يورث الحكمة والنور في القلب والبصيرة, فمن ترك النظر إلي ما حرم الله بنورعينه عوضه الله تعالي نورا في القلب, فيطلق له نور بصيرته يبصر به الحق من الباطل, والجزاء من جنس العمل ولعل هذا هو السر في ذكر آية غض البصر في سورة النور. وغض البصر من أعظم السبل لحفظ الفرج, فإن الله تعالي أمر بغض البصر قبل أن يأمر بحفظ الفرج, وتأمل الآية الكريمة أيضا غض البصر فيه تزكية للنفس وتطهير لها من أوحال الرذيلة, ولذا قال تعالي بعد الأمر بغض البصر: ذلك أزكي لهم وفي غض البصر شكر لله تعالي علي نعمة البصر فإن البصر نعمة من الله تعالي; كما قال تعالي هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون{ الملك: من الآية23} وحق النعم الشكر عليها, فمن غض بصره فقد شكر الله تعالي حيث لم يستعمل نعمة الله في معصيته وغض البصر يورث محبة الله تعالي. وفيه استعلاء علي النفس الأمارة بالسوء, وإغلاقا للنافذة الأولي من نوافذ الفتنة والغواية, ودليل صادق علي قوة العزيمة وفي غض البصر سلامة القلب من أمراض الشهوات وراحة له مما لا صبر له عليه, ورب نظرة أورثت ذلا في الدنيا وخزيا في الآخرةو في غض البصر حفظ للمجتمع أجمع من الانزلاق وراء سعار شهواني لا ينطفئ ولا يرتوي, وحماية له من الوقوع في حمأة الرذيلة والفاحشة. وغض البصر من حسن الخلق وأفعال ذوي المروءة, حتي إن أهل الجاهلية كانوا يفتخرون بغض البصر, وقد قال عنترة الجاهلي: وأغض طرفي ما بدت لي جارتي حتي يوراي جارتي مأواها وما أقبح منظر الرجل وهو يقلب عينه في المحرمات, والله إنه لهتك لحرمات الناس, وما ربك بظلام للعبيد; حيث القصاص في التو وفي اللحظة. الشيخ رضا عبدالحميد: إطلاق البصر.. سهم من سهام إبليس المسمومة يقول الشيخ رضا عبدالحميد الخولي- من علماء الأوقاف-: إن عدم غض البصر سبب لأعظم الفتن فكم فسد بسبب النظر وانتكس من شاب كان طائعا لله وكم وقع بسببه أناس في الزنا والفاحشة والعياذ بالله فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته وإرادته وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته وإرادته وبذلك تنقش في قلبه هذه او تلك المبصرات فتشغله عن التفكر في رب الأرض والسماوات ولما كان إطلاق البصر سببا لفتنة القلب أمر ربنا تبارك وتعالي في أعلي مرتبات النصوص في القرآن الكريم بغض البصر وحيثما نجد في القرآن الكريم آية صريحة قطعية المعني تأمر بغض البصر ولقد عني الحديث النبوي عناية كبيرة بالتحذير من نظره العين التي يراد بها السوء فجاء قوله النظرة سهم مسموم من سهام إبليس فمن تركها خوفا من الله أعطاه الله إيمانا يجد حلاوته في قلبه وجعل الرسول صلي الله عليه وسلم غض البصر في طليعة حقوق الطريق وقال( لا تجلسوا علي ظهر الطريق فإن أبيتم فغضوا الابصار وردوا السلام واهدوا الضال واعينوا الضعيف وقال( غضوا ابصاركم وكفوا ايديكم واحفظوا فروجكم). وسما النبي بمكانة غض البصر ونوه بثمرتة الجليله فقال_ ومن حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته) وقال( مامن مسلم ينظر الي محاسن امرأه ثم يغض بصره إلا أخلف الله له عباده يجد حلاوتها) وقال( كل عين باكية يوم القيامة إلا عينا غضت عن محارم الله وعينا سهرت في سبيل الله وعينا يخرج منها مثل رأس الذباب من خشية الله).