حين تجد من لا يؤمن بغير الواسطة سلما للصعود,أو من يستحل الرشوة ويلح عليها,رغم علامة الصلاة الكبيرة في جبهته,مقابل قيامه بواجبه فأنت أمام إشكال كبير,أي قيم يؤمن بها هذا؟..وأي دين يتاجر به كذلك؟ مع انتشار ظواهر ك عبده مشتاق التي التقطها الفن الإذاعي قبل عقود,أو حالة محجوب عبدالدايم الذي يبيع ضميره وكرامته مقابل التقرب من أهل السلطة,وحالات شبيهة تجد فيها قاضيا يعمل صبيا لدي تاجر المخدرات الكبير! وضابطا يعمل صبيا كذلك لدي شيوخ السلاح والمخدرات,وهو ما تفجعنا به الصحف والأخبار في مصر من آن لآخر,لابد حينئذ أن نتساءل أين القيم؟..وما مصادرها؟..ولماذا انحدر سلوك الكثير منا للأسفلين وهم من كانوا يفترض فيهم أن يكونوا في عليين سموا ورقيا وأمانة وصدقا. كيف صار ممكنا ومحتملا أن يسرقك من أغرقه إحسانك؟..حسدا وجحودا وحقدا كذوبا؟..كيف وصلنا لكل هذه الفسوخات الاجتماعية والإنسانية,فلا يبالي هذا الغبي بالبناء علي أملاك الدولة جهارا نهارا,ولا يبالي هذا الموظف الفاسد بتقاضي عشرات الرشاوي كل صباح,وبينما يموت أبطالنا في ساحة البطولة ومكافحة الإرهاب في سيناء وغيرها تجد عسكري مرور مليونيرا! وأمين شرطة فاسدا يعمل بالفعل لدي عصابات البلطجة والمخدرات,ولا يبالي في ترضيته بحق أو باطل! بائعا الضمير والقانون والأمن الاجتماعي وسمعة الوطن والمواطنين معه. من هنا وافقت وبقوة علي ما وصف به الرئيس مصر بأنها شبه دولة بل وأضفت في مقال لي بهذا المكان قبل شهور أنها صارت أيضا شبه مجتمع حين سالت كل القيم وتصدر الفاسدون المشهد,وتراخت الروابط الاجتماعية وحضر ثقافة الجوع والحقد والمصلحة وعدم العدالة والضبط في الشهادة في قول الحق والإصلاح بين الناس وإصلاح الفاسد منهم والضرب علي يده. ذات يوم خاطبت صديقي ونحن شباب,لست أغضب من هذا الشاب المدمن كثيرا,فهو لم يجد من يعلمه ويصلح ذات نفسه وأخلاقه؟..هل يصلحها خطيب المسجد الذي يحتقره أم جماعة تريد أن تسلبه إرادته سمعا وطاعة لأمرائها أم الفاسدون المفضوحون من متصدري المشهد,إنه مخطئ بدرجة كبيرة ولكن معذور بدرجة ما..إننا نعيش جفافا من القيم..المثقفون والمتنورون فيها مقيدون بينما الفاسدون وعيا وخلقا والفاسدون تطرفا هم المشهد وشرط هذا النفاق لمصلحته وشرط الثاني النفاق لجماعته,أما الموضوعية والحياد الذي يؤسس لقيم المواطنة والعدل والمساواة والأدب والرقي في التعامل والصدق في النصيحة والمحبة للآخر,كل آخر, فقيم قابلة للإزاحة بل للإلغاء والشطب من ملف العلاقات الواقعية في زمن المسخ, بتعبيرات عادل إمام. وفي ظل هذه السلوكيات المنحطة,تجد كل فاسد في الاتجاهين يتمسح بالدين ويدعي التدين وتزيا بزيه,فيخرج مصليا بل قد يخرج خطيبا وناصحا,ولكنه في كل ذلك لا يغادر شهوته ولا يغادر سوءات نفسه. من يصنع القيم يا سادة؟..من يعلمنا أن الموظف المرتشي يسرقنا جميعا دولة ومجتمعا ويسئ لنا جميعا؟..من يعلم رجل الأمن ورجل المؤسسة ألا يفرق بين مواطن ومواطن علي أي أساس من دين أو نسب أو مال أو علاقات؟..من المؤكد أنه ليس إمام المسجد وحده,المكلوم بحاجته والمحشور في عقلية ضيقة حفظت القليل من المتون,كما أنه ليس المدرس الباحث عن الدروس الخصوصية وليس السياسي المتسلق المتملق الحالم بالسلطة والنفوذ وليست العشيرة التي سرقها بعض كبرائها مطية لصعودهم! بل هو الوعي المتنور والإنساني الذي يشمل المتنورين واللذين يجب أن تتاح لهم حرية الحركة وحرية الفكرة وحرية الرأي وحرية الاجتماع وحرية التنوير وإنشاء المكتبات وصناعة الفعاليات وتطوير السلوكيات بوعي إنساني يتصالح مع الماضي ويحتضن الواقع ويصنع المستقبل. لا بد من ثورة من أجل القيم ومن أجل الأخلاق قبل أن يفوت الأوان.