كان الدكتور محمود فوزي عندما تولي رئاسة مجلس الوزراء في بداية السبعينيات وبحكم خبراته الخارجية, هو أول من تنبه إلي علمائنا في الخارج وأهمية ربطهم بالوطن واستثمار خبراتهم وعلمهم في قضايا التنمية في مصر في مختلف المجالات, لذلك دعا إلي مؤتمر حضره مئات من العلماء المصريين في الخارج الذين ناقشوا علي مدي ايام ما يمكن أن يقدمونه لوطنهم في مجالات تخصصهم, كما نظم لهم لقاءات مع الوزراء والمؤسسات المعنية, وقد تكررت هذه التجربة في التسعينيات عندما انشئت وزارة الهجرة والمصريين في الخارج. والواقع ان استدعاء هذه التجارب وما يحقق عنها لا ينبئ بالكثير, ربما لأنه لم تحدث متابعة منظمة لهذه المؤتمرات والمشاركين فيها بشكل مؤسسي يشعر هؤلاء العلماء أن هناك اهتماما جادا من المؤسسات المصرية بالتواصل معهم, وأن ثمة برامج معدة لكي يشاركوا فيها وقنوات اتصال منظمة معهم. نقول هذا بمناسبة المنتدي الذي نظمته وزارة الهجرة في الغردقة مؤخرا وشارك فيه27 من علماء مصر في الخارج وناقشوا من خلال مجموعات متخصصة المجالات التي يمكن ان يساهموا فيها والامر المشجع في هذه التجربة الجديدة هو الالتفات إلي ثغرات التجارب السابقة. قيل أن ثمة آليات قد انشئت لضمان استمرار التواصل مع هؤلاء العلماء وهو ما سيتوقف علي قدر كبير من التنسيق بين وزارة الهجرة والخارجية والبحث العلمي ومراكز البحث العلمي المصرية والجامعات. ومن خبرتي في السلك الدبلوماسي المصري وبالاخص عندما تأكدت الاهمية الخاصة لحاجة مصر ومشروعات التنمية فيها إلي بناء قاعدة علمية حديثة وبعثاتها من احدث منتجات التكنولوجيا والتفكير العلمي, أن وزارة الخارجية وثقافتها التي تغطي العالم, وبشكل خاص في الدول التي حققت تقدما علميا وتكنولوجية, هي من قنوات الارتباط الاساسية بين علماء مصر في الخارج وبين وطنهم, وكذلك متابعة المنظمات الدولية التي تعني بشئون التعاون العلمي, وأذكر اني كتبت عندما كنت مديرا لادارة التخطيط السياسي إلي السيد وزير الخارجية آنذاك اقترح انشاء وحدة للعلوم والتكنولوجيا في وزارة الخارجية تكون هي أداة الوصل بين بعثاتنا في الخارج ومتابعتهم للشئون العلمية, فضلا عن توصالهم مع علمائنا في الخارج وبين الوزرات والمؤسسات العملية. ومن المشجع ما فهمته انه أصبح هناك وحدة في وزارة الخارجية في هذا الشأن. في هذا السياق من المهم ان نتذكر ان صعود قوتين آسيويتين وما حققوه من انجازات التنمية وهما الصين, والهند, قد اعتمدوا إلي حد كبير علي علمائهم في الخارج خاصة في الولاياتالمتحدة واوروبا, وما حققوه من مكانة علمية في المراكز البحثية والجامعات, وقد استجاب العدد الكبير منهم لدعوة اوطانهم وعادوا لكي يساهموا في تأسيس النهضة العلمية والتكنولوجية. والواقع انه بالنسبة لابناء مصر في الخارج فإن ثمة مقولة عن مصريين قدر لهم ان يبتعدوا عن مصر ويقضون سنوات طويلة في مجتمعات اجنبية, تعليما وعملا وبرزوا وتفوقوا في مجالات عملهم واصبحوا شخصيات مرموقة في مؤسساتها غير ان بعدهم عن مصر, والمكانة الشخصية والمهنية التي تحققت لهم, لم تبعدهم فكرا وشعورا عن مصر, بل تحققت فيهم هذه المقولة ان المصري الذي يعيش بعيدا عن مصر, ورغم المسافات التي تفصله عنها, إلا انه قد يكون اكثر ارتباطا بمصر ومتابعة لقضاياها ولما يجري فيها, وقد تكون رؤية القضايا اكثر وضوحا ودقة ممن ينغمسون بشكل يومي في هذه القضايا. نأمل أن نقدم في مقال قادم نماذج من هذه الشخصيات والتي رغم بعدها لم تغب مصر عنهم. سفير سابق