من الواضح الجلي, أننا سنشهد خلال هذا العام حربا باردة ساخنة جدا بين روسيا وأمريكا وما ينضم إليهما من حلفاء. في يوم الأحد الثامن من يناير, وفي برنامج تليفزيوني مشهور, وفي مقابلة مع السيناتورجون ماكين والسيناتور ليندسي جرام, وكلاهما من الحزب الجمهوري, صرح كلاهما بضرورة اتخاذ عقوبات رادعة ضد روسيا, أكثر عنفا مما اتخذه الرئيس باراك أوباما معها, وذلك لتدخلها في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية السابقة لصالح دونالد ترامب, وأنه يتعين علي الرئيس المنتخب الإقرار بذلك التدخل, وخصوصا أن الأدلة الاستخبارية الأمريكية دامغة ولا تحتمل التأويل أو المداهنة. بعدها بساعات خرج رئيس العاملين بالبيت الأبيض الأمريكي للرئيس المنتخب, ليعلن أن إدارة ترامب تقبل بما جاء في التقارير الأمنية الدامغة, والتي تتهم روسيا صراحة بأنها تدخلت في الانتخابات الأخيرة. وفي يوم الجمعة الموافق السادس من يناير تمت مقابلة الرئيس المنتخب دونالد ترامب مع رؤساء المخابرات والإف بي آي والأمن القومي الأمريكي لشرح ما بالملف الذي تم تقديمه أيضا للرئيس أوباما وأعضاء الكونجرس, وتوضيح الدور الروسي في التدخل في العملية الانتخابية. بعدها بوقت قصير تم تسريب محتويات ذلك الملف الخطير من خلال سي إن إن وموقع إخباري اسمه بظ نيوز, وتبين أن الملف يحوي وجود علاقات بين حملة ترامب الانتخابية وروسيا, وأن الكرملين كان داعما لترامب لمدة تزيد علي الخمس سنوات وان الروس كانوا يمدونه بمعلومات عن خصومه السياسيين بمن فيهم هيلاري كلينتون. غير أن أخطر ما احتواه الملف, كان معلومات عن تسجيلات فضائح جنسية لترامب سجلها له الروس أثناء زيارته لموسكو وسان بطرسبرج والتي قد تستخدم لابتزازه والضغط عليه إبان رئاسته المقبلة. تبين بعدها أن عميلا سريا بالمخابرات البريطانية, كان يدير شركة تابعة للمخابرات البريطانية تعمل بموسكو هو الذي أمد المخابرات الأمريكية بتلك المعلومات الفاضحة, وأن مصادر التسريب موثوق بها. عندما أعلنت سي إن إن تلك المعلومات نتيجة تسريبها, غضب ترامب ومن معه غضبا شديدا, لدرجة أنه وصف الجهات الأمنية الأمريكية بالتآمر والعجز, وشبههم بالنازيين, وهو الأمر الذي أقلق كثيرا من أعضاء الكونجرس, لأن التهجم علي الجهات الأمنية الأمريكية يضير بها داخليا وخارجيا, وأنه لم يحدث أبدا في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية أن فعل رئيس أمريكي مثلما فعل ترامب, لدرجة أن ليون بنتا وزير الدفاع الأسبق وأيضا رئيس السي آي إيه الأسبق, صرح عقبها بأن أمن الولاياتالمتحدة أصبح في خطر داهم نتيجة نقد وتهجم الرئيس المنتخب علي تلك الجهات التي يخاطر رجالها بأنفسهم دفاعا عن الولاياتالمتحدة وأن هذا الأمر يحطم روحهم المعنوية. ولتقليل حجم الخسائر, قرر ترامب عقد مؤتمر صحفي يوم الأربعاء الموافق الحادي عشر من يناير دافع فيه عن نفسه وهاجم التقرير واصفا إياه بأنه كذب وفبركة وتآمر, ومهاجما فيه الجهات الأمنية بعنف وما يقرب من التهديد, وأنهم ما كان لهم أن ينشروا هذا التقرير أبدا. عندما طلب السؤال مراسل شبكة سي إن إن, وهي الشبكة التي أذاعت التسريب, لم يمنحه ترامب الفرصة وقاطعه ووصف شبكته بالضحالة وعدم الحرفية والكذب وطلب منه أن يصمت وأنه لن يقبل سؤاله أو يجيب عليه. كان المؤتمر الساخن سابقة في تاريخ التعامل مع وسائل الإعلام الأمريكية والتي تحظي دائما بالاحترام من كل المسئولين عندما يكون هناك مؤتمر صحفي او غيره. ما تجدر ملاحظته هنا أن الرئيس المنتخب أقر في بداية مؤتمر صحفي أن هناك تدخلا روسيا في العملية الإنتخابية, غير أنه أضاف أن هناك دولا أخري غير روسيا تدخلت أيضا. هذه المناوشات لن تذهب الي حال سبيلها في سلام, وإنما هي بداية وعلامة صراع سيكبر بين الرئيس ترامب وبين وسائل الإعلام لا يمكن التكهن بنتائجه.