إن من أخطر عوامل سيادة الأمم لغتها, فاللغة عزها من عز أهلها, وسيادتها من سيادتهم, فاللغة مرآة عظمة الأمة نشاهد فيها تقدمها أو تأخرها, رفعتها أو انحطاطها, فإذا كانت هذه أحوال اللغات فما بالنا بلغتنا العربية, سيدة لغات الأرض بتوقيع السماء؟ وقد اختصتها اليونيسكو بيوم عالمي للاحتفاء بها في الثامن عشر من شهر ديسمبر من كل عام, لكن يظل في ضمير كل عربي, بل كل ناطقي لغة الضاد, دين في أعناقهم لأصحاب الفضل في عناية اليونيسكو بلغتنا العربية, ففي العام2006, كان الأمير سلطان بن عبدالعزيز, رحمه الله, في زيارة إلي باريس, حيث مقر منظمة اليونيسكو, اقترح إنشاء برنامج خاص لدعم اللغة العربية من خلال المنظمة, وتعهد بتمويله وقد تبرع, رحمه الله, بخمسة ملايين دولار, ثم نجحت المملكتان السعودية والمغربية في تحقيق السبق داخل الأممالمتحدة لاعتماد اللغة العربية لغة رسمية عالميا, وبالفعل في العام2012 تمت الموافقة علي اقتراح المملكتين, وهكذا انضمت العربية إلي مجموعة اللغات الرسمية في الأممالمتحدة( الانجليزية..الفرنسية..الروسية..الأسبانية..الصينية), لكن إذا كنا نشارك العالم في هذا اليوم من كل عام, فإن الاكتفاء به يعني استخفافا بلغة السماء بل هو العار كل العار أن نهمل لغتنا طوال العام ثم يذكرنا العالم بها في يومها, فكيف نقبل كل هذا الهوان وغيرنا يعرف قدر لغتنا, فمتي يستحي المسئول عندنا ويفيق من سباته لانقاذ لغة السماء, فيرد عليها هيبتها وكرامتها بعدما ضيعناها أو اغتلناها لا فرق فلم نعد نسمع جملة عربية قويمة, في مراحل التعليم تري عجبا من ضحالة الأسلوب وعدم الضبط حتي من أفواه المعلمين إلا من عصم ربي وهم ثلة نادرة, فإذا ما أعرت سمعك للإعلام المسموع والمرئي, فكبر علي لغة السماء وأقم لها سرادقات عزاء, حتي الصحف السيارة قلما تجد صياغة عربية, فماذا كانت العاقبة؟ انحدر الأسلوب العام وامتلأت الطرقات ووسائل المواصلات بكلمات وعبارات أشبه بالسهام الطاعنة في جسد الفصحي, فاحتضرت حتي علي منابر المساجد, قلما أو نادرا ما تصادف خطيبا أو واعظا يقيم جملة عربية فصيحة تتناسب مع جلال وهيبة المنابر ومكانة العربية في السماء!!. ارتحلت الفصحي أو اغتلناها لا فرق, ولم يعد الأبناء يعرفونها, ولأن الإنسان عدو ما يجهل, فهجرنا كتاب الله تعالي المنزل بلسان عربي مبين, فأصبح كتابا متحفيا نقتنيه للزينة أو تحت مزاعم البركة وحفظ المكان!!. ومع كل هذه المهاوي والمخازي نسمع عن وزراء ومسئولين عن التعليم والإعلام والثقافة, فما أشبه مدارسنا وفضائياتنا بمكاتب المقاولات ووكالات الإعلانات, وحتي مسئول المنابر والمساجد تلهي أو تشظي لا فرق بتجديد وخطبة موحدة أشبه بالتجنيد الإجباري وهو لا يعلم أو يعلم أن ذلك قضي أو قتل إبداعات الخطباء ومواهبهم في ترغيب الحضور للحياة الإسلامية, وهكذا لم نعد نسمع عن عباقرة الدعوة كما كنا أيام( السبكي, وسابق, ومشتهري, وكشك), وغيرهم, رحمة الله عليهم, ومن المؤسف أن تجد من يعني بالعربية من غير العرب, ففي فرنسا أنشأ الملك كرسيا لتعليم لغة السماء عام1587 م.!!. إن ترقية لغة العامة هي السبيل إلي النهوض بلغة السماء, فكيف يرفع القرآن والإسلام من شأن اللغة العربية ونحن نحط من قدرها؟ فهل نحن في حرب مع السماء؟!, وبعد: فإن العلم في عمومه يحتقر الجهل, والجهل في عمومه يخاف من العلم!!.